لبنان.. نهاية اللعبة
 

هيثم خزعل

هيثم خزعل / لا ميديا -
في أول الأزمة اللبنانية، كان الطرح الذي سوقه الأمريكيون هو: «حكومة تكنوقراط بصلاحيات تشريعية». في البداية حمل هذا الطرح سعد الحريري، كما حملته بعض «الفيالق التغييرية» المرعية أجنبيا.
خلال سنوات ثلاث من عمر الأزمة، استطاعت الطوائف اللبنانية المحمولة على متن منظومة الاقتصاد السياسي المنهارة ترميم هذه المنظومة ما أمكن، رغم اهترائها، وهي تطمح لأن تعبر بهذه المنظومة المرحلة الزمنية الحرجة التي تعيشها المنطقة والعالم بانتظار أن يستعيد الكيان اللبناني دوره فتستعيد منظومة الاقتصاد السياسي عافيتها السابقة.
يبدو من تدحرج الأزمة يوما بعد يوم أن هذا الرهان خاسر وخائب، وأن أصحابه لم يدركوا عمق التحولات التي تعصف في العالم اليوم.
لحظة الوصول إلى الانهيار الكبير، وهي لحظة ستأتي مع ضيق المساحة المتبقية أمام المصرف المركزي اللبناني، وتسليم البلد لصندوق النقد الدولي، ستكون الطوائف اللبنانية قد أطلقت رصاصة الرحمة على نمط معاشها.
تسليم البلد لصندوق النقد يعني فقدان قدرة الطوائف على التوظيف، والرشاوى المالية الجماعية، والوساطات، والهبات، والرعايات... إلخ. يتزامن ذلك مع الخصخصة ورفع الدعم وتعويم العملة، وهذا يعني فقدان القدرة التدخلية والرعائية لـ»طائفة» في المجتمع عبر ضرب نمط معاشها وتجفيف حصتها من الريع المتأتي من حصتها في «الدولة».
تحاول الطوائف العبور، كلّ بمصارفها ومؤسساتها ووسيلة إعلامها، من ضفة زمنية إلى أخرى، على أمل أن يستعيد الكيان عافيته المالية، فتستعيد هي دورها، وهذا كما قلنا وهم للعارفين بخطورة هذه اللحظة من عمر العالم وتداعياتها الكبيرة.
حتى في حال استمرار الطوائف كبنى اجتماعية سياسية في لحظة التحول العميقة التي تضرب الكيان، فإن هذه البنى ستتجوف يوما بعد يوم كخشب ينخر السوس قلبه بفعل تآكل دورها وضرب أنماط معاشها. أما البدائل فليست سوى وصاية غربية كلية (غير معلنة) على الكيان، وهذا يعيدنا إلى الطرح الأمريكي في بداية الأزمة: «حكومة بصلاحيات تشريعية». قد تولد هكذا حكومة بعد لحظة الانهيار الكبير الآتية؛ لكنها ستكون لزوم ما لا يلزم؛ لأنه حتى لو بقي زعماء الطوائف في الواجهة السياسية فإنهم سيكونون أسرى ورهائن الوصاية المالية الغربية دون أي قدرة على الفعل.
ستكون هذه المرحلة بمثابة مرحلة انتقالية شبيهة بالمرحلة التي تلت تفكك الدولة العثمانية، والتي أفضت إلى نهاية دور المقاطعجية وبعدها الإقطاع عموما وولادة أولى «الطوائف» مع بداية التدخل الغربي في جبل لبنان إلى آخرها مع قدوم رفيق الحريري، إلى أن يستقر شكل العالم والمنطقة معه، وإلى أن تتفكك الهيمنة الغربية، مع ما قد ينتج عنها من تغيرات على مستوى جغرافيا الكيان وبناه الاجتماعية السياسية.

 كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات