نخب قاصرة الفهم
 

هيثم خزعل

هيثم خزعل / لا ميديا -

كان نصيب لبنان من انهيار التوازنات الدولية وانفجار الصراع في الحرب العالمية الأولى "مجاعة"، وكان نصيبه من إعادة رسم التوازنات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية ولادة الكيان اللبناني كما عرفناه لمدة 100 عام.
اليوم ينعكس الصراع الدولي الذي يشتد بشكل مباشر على لبنان، وهو سيؤدي، تبعا للتحولات المفصلية التي حدثت عام 2000 و2006 وعلى امتداد تسعة أعوام من الحرب على سوريا، إلى بناء أسس جديدة لهذا الكيان إن كتبت له الاستمرارية.
الرؤية القاصرة عن مجاراة التحولات في الإقليم عام 1975 والرهانات الاستراتيجية الخائبة، أدت إلى اندلاع حرب أهلية عنيفة أفضت في النهاية إلى تموضع استراتيجي مؤقت للبلد ما لبث أن تزعزع بفعل إقحام المنطقة في مشاريع أمريكية جديدة بدأت مع غزو العراق عام 2003.
منذ العام 2005 والكيان يعيش في أزمات سياسية متناسلة، مترافقة مع قصور نخبوي عن إدراك انعكاساتها على بنى الكيان السياسية والاجتماعية. تجلى هذا القصور بنهفتين سياسيتين: "لبنان أولا" و"النأي بالنفس".
"النأي بالنفس" هو عمليا "نأي بالعقل" عن إدراك طبيعة التحولات الجارية في المنطقة والعالم وارتداداتها المباشرة على الساحة اللبنانية.
هذا العجز عن إدراك طبيعة أسباب الأزمة الحادة التي تلم بالكيان تستوي فيه القوى التي تشكل أداة مطواعة في خدمة مشاريع الهيمنة والنخب والأحزاب المحبوسة في إطار نظري يستبطن اعتبار هذا الكيان وحدة تحليل مستقلة.
هذا يبرر وحدة الطرح السياسي بين رجل دين كالمطران عودة، ورئيس حزب واقتصادي كشربل نحاس، ونخب تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تجمع كلها، وبفعل انحباسها النظري في سردية "نهائية الكيان"، على اعتبار حزب الله و"الشيعة" عائقا أمام حلحلة الأزمة المالية أو نجاح "الثورة". يلتقي على بساط هذا الطرح وبشكل كاريكاتوري "المسيحي" الذي مازال أسير نوستالجيا ميشال شيحا النظرية والحنين إلى عودة التوازنات التي كانت قائمة قبل العام 1975، واقتصادي من أقصى اليسار كمحمد زبيب.  
هذا الطرح موارب، لأن المقصود فيه ليس اعتبار مكمن الخلل في الحزب أو بما يمثل، بل في خياراته الاستراتيجية التي جعلت هذا الكيان، الذي ولد كي يكون تابعا بالمطلق لقوى الهيمنة الغربية، قادرا على ردع "إسرائيل" وعلى المساهمة (من باب مصلحة وجودية) في تقويض مشروع دولي بحجم إسقاط سوريا والعراق وإفشاله.
نعم، يشكل حزب الله عائقا أمام "الثورة" باعتبارها طريقا للتنازل عن الثروة والسيادة، وسبيلاً لتجديد تبعية البلاد المطلقة لقوى الهيمنة. لكن وجوده ليس وجودا معزولا، بل هو أحد التعبيرات الزمنية للصراع العالمي والإقليمي على مصير المنطقة، والذي يمتد لأكثر من مئتي عام خلت، وهذا يستعصي على فهم نخبنا الكيانية.

أترك تعليقاً

التعليقات