مسقط الروح
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
للحياة طريقتها في التعامل مع المراحل العمرية، إذ تتحول المغامرة والاستكشاف إلى التخطيط والوضوح مع مرور الوقت. فقد تكون مدفوعاً بالفضول والرغبة في تجربة الجديد في سنوات الشباب؛ لكن مع التقدم في السن، يصبح لديك وعي أكبر بقيمة التخطيط والأمان والاستقرار.
كل تجربة -سواء كانت ممتعة ومثرية، أم كانت محفوفة بالمخاطر- كنت أستفيد منها، لأنها تجربة، والإنسان هو خلاصة تجاربه في الحياة.
من هذه التجارب التي تركت أثراً عليَّ، كنت أسمعهم في طفولتي يتحدثون عن الجن، وكان بيتنا في القرية مبنياً على طرف الحيد الشاهق، وليس أمامه سوى الفضاء المفتوح والسحاب، وحين انتقلنا إلى العاصمة بقي بيتنا مغلقاً لعشرين عاماً، وحين فكرت بزيارته قيل لي: سيكون الآن مسكوناً بالفعل، وهذا ما يجعلني أتردد أمام المنزل المهجور في الغابة...
هذا البيت وُلدتُ فيه، وعشت فيه سنوات طفولتي الأولى، وأنا مرتبط به روحياً ووجدانياً، وأراه في أحلامي باستمرار، وأتمنى أن أعود لأعيش فيه لأنعم بهدوء القرية، وأستنشق هواءها الجميل... ربما تغيرت علاقتي به من مجرد مكان في الطفولة إلى فكرة شعرية وروائية؛ لأن الحنين يشدني إليه كل يوم.
هذا الحنين يؤثر في كتاباتي، وأستحضر روح البيت، وأرواح آبائي وأجدادي، في نصوصي بشكل مباشر، وأعمل على كتاب روائي عني وعن طفولتي في «شهارة»، التي ما تزال تسكن في وجداني. فحين أعود إلى القرية أوقن أن للأحجار رائحة؛ إنني أشم رائحة الأحجار، ورائحة البيت رغم أنه مغلق منذ عشرين عاماً.
أنا لا أستعيد طفولتي، بل أرى طفولتي وأعيشها بالفعل. وسيكون أبي حاضراً في النص، بل سيكون هو روح النص وشمسه وقمره. يقال إن الإنسان يحن إلى المكان الذي دُفنت فيه «سُرَّته»، وأنا سُرّتي مدفونة في «شهارة»، والسُّرّة هي جزء مني.

أترك تعليقاً

التعليقات