مريم الحضرمية
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
حين تندلع الحروب لا يلبث الناس طويلاً حتى يتعايشوا معها، ومع ما تخلفه في نفوسهم من الضرر والتغييرات الفادحة.
من الآثار التي تصنعها الحروب تفسُّخ العلاقات الاجتماعية التي تنتج عن الاختلافات السياسية وانقسامات المصالح والأهواء التي تقف ضد الوطن، فتأتي الأزمات الاقتصادية ويتفشى الفقر كنتيجة حتمية، وتتراجع القيم والأخلاق بما يشبه انفلاتاً مجتمعياً من كل الضوابط والأعراف، ويصبح العيب والحرام شيئاً اعتيادياً لا أحد يلومك عليه، ولا يشعر أحد بالخجل من اقترافه. 
منذ أن بدأ العدوان السعودي على اليمن تفسخت العلاقات الاجتماعية، وأصبح البعض من الناس يكشف عن سوء أخلاقه علناً، كأن الأوضاع التي يمر بها هذا البعض هي المبرر لكل ما يفعله من اختراقٍ لنواميس الكون وانتهاكٍ لأعراف المجتمع وقوانينه وآدابه العامة.
نتابع الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي، فنقرأ أن رجلاً شنق نفسه بسبب الجوع، وآخر ألقى بنفسه وطفليه من قمة جبل، ونسمع أن أحدهم قتل أطفاله الأربعة، وآخر قتل زوجته بثلاثين رصاصة أمام أولادها. واختطاف أطفال، وانتهاك حرمات البيوت، واغتصاب قاصرين، وقطع رؤوس، بل وصل الأمر في بعض المحافظات إلى السحل والتمثيل بالجثث، وجرائم كثيرة لم نكن نسمع عنها قبل اندلاع العدوان السعودي منذ سبع سنوات.
بالأمس انتشرت صورة لامرأة كبيرة في السن، مربوطة إلى عمود كهرباء، يتحلَّق حولها مجموعة من الصبية في مدينة  المكلا، وعلى وجوه هؤلاء الصبية المراهقين تبدو علامات الزهو والانتصار لأنهم قبضوا على هذه المرأة التي حاولت أن تسرق طعاماً لأطفالها. ورغم أنها لم تسرق فعلوا بها كل هذا المنكر، وصوَّروها مربوطة في الشارع إلى عمود الكهرباء، وشهَّروا بها دون أن يردعهم أحد، أو يذكِّرهم بأنها مثل واحدة من أمهاتهم، وأنها امرأة كبيرة يجب أن يخجلوا منها، أو ينصحهم بأخذها إلى قسم الشرطة ليتعاملوا معها كجهة مختصة بصمت ودون فضائح.
كنت أراها كمريم المجدلية، التي كانوا سيرجمونها لولا أن السيد المسيح ذكَّرهم بأنهم جميعاً خطاؤون مثلها، فتركوا الأحجار التي كانوا على وشك أن يقذفوها بها، لكن هؤلاء الصبية لم يذكرهم أحد أنهم خطاؤون أكثر من هذه المرأة الجائعة. لم يدخل أحدهم إلى بيته فيجلب لها طعاماً ويسترها من الخزي الذي تعرضت له، ولم يوقظ هتك عرضها غيرة أحد، فقد قاموا بالتقاط الصور إلى جانبها كأنهم أحرزوا نصراً عظيماً.
هل سيذهب سكان تلك الحارة ليتفقدوا أطفالها، ويملأوا بيتها قمحاً وطعاماً، أم أن الماء أوشك أن يتفجر من قلوبهم كما لو أنها حجارة؟
هل ستهتز لهذه الجريمة ضمائر آباء أولئك الصبية فيبادرون إلى وضع حل جذري لجوع هذه المرأة، وتعنيف أبنائهم على الملأ، ورد اعتبار كرامة تلك المرأة المهدورة؟ 
الحديث يطول عن هذه الواقعة التي تجعلنا نعيد ترتيب أنفسنا المبعثرة، ونحاول تلصيق صورنا المشروخة، والاحتفاظ بما تبقى من إنسانيتنا التي قضمت الحرب جزءاً كبيراً منها.

أترك تعليقاً

التعليقات