عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
حين تصل إلى تلك المدينة الساحرة وتقرأ هذه اللَّوحة “مرحباً بكم في المُكلاَّ”، عليكَ أن تضع على عتباتها متاعكَ من الحُزن ورصيدك من الألم، لأنَّها مدينةٌ لا تعرف الحُزن.
تقف على الكُورنيش تتأمَّل البحر، فتكتشف أنَّكَ سواك، وفي نفس الوقت تُدرك أنَّكَ أنت!
تعتقد أنَّكَ دُون إحساس فيفضحُكَ البحر، تسترسلُ مع البحر في المكاشفة، فترى كُلَّ أقطاب الصُّوفية أمامك يمشون على الماء، ثُمَّ تهفو نفسكَ إلى التوحُّد بالبحر حين توقن أنَّ الماء هُو جَدُّكَ الأوَّل.
يطول بنا مقام الوقوف على الكُورنيش، كما لو أنَّنا ننتظر عرائس البحر، نصمت كأنَّما حُذِفَتْ من ألسنتنا كُلّ حُروف الأبجدية، لأنَّ الصمت فضيلةٌ في حضرة البحر، نبدأ بتعلُّم ألف باء الماء، لأنَّ البحر لا يتحدَّث إلاَّ بلُغة التخاطر.
أدرنا ظُهورنا للبحر عائدين إلى السَّكَن، تبعثرت فوق رُؤوسنا موجةٌ كبيرةٌ كأنَّها ألعابٌ ناريةٌ حتَّى ابتلَّت ملابسنا وامتلأت أفواهنا بالملح، كتطهيرٍ مُسبقٍ لما سيكون من حصائد ألسنتنا.. هذه هي تحيَّة البحر، يُعانقكَ بعفوية طفلٍ ويداه مُلطَّختان بالشُّوكولاته.
خلعنا كُلَّ أحزمة الخوف حين لمسنا أمان المكلاَّ.. أمانٌ لا يشعر به إلاَّ مَنْ عاد إلى رحم أُمّه.
ثلاث ساعاتٍ من النوم تكفي.. ولن تفرك عينيكَ حين يُوقظكَ نزق الأُوكسجين ليُلقي عليكَ تحيَّة الصباح.
تخرج من المُكلاَّ، فتدرك أنَّ رئتيكَ أصبحتا خارج نطاق التغطية!
ثمانية أيَّامٍ في المُكلاَّ.. وكُلٌّ منَّا يقسم أنَّنا ما لبثنا فيها غير ساعةٍ من نهار.

أترك تعليقاً

التعليقات