لا جدوى!
 

عبدالمجيد التركي

عبدالمجيد التركي / لا ميديا -
لا أشعر بشيء.. لا أغبط أحداً على أي شيء.
يرقصون في قاعات الأفراح فأتساءل: ما جدوى كل هذا؟!
ويبكون في هذه القاعات حين يتبادلون التعازي والكلام المعلب، الذي لا يرقى مفعوله إلى مستوى لصقة جراح.
لذلك، لا أحضر هذه المناسبات، التي أشعر فيها بأنني رجل آلي.
لا أفتح حالات أصدقائي في الواتس، فهذا لا يعنيني، وليس لديّ فضول لسؤال أي شخص عن قصده في نصه الأخير، أو سؤاله عن تاريخ التقاط الصورة الشخصية بصفحته.
أسمع المطر من غرفتي ولا أكلف نفسي الاقتراب من النافذة لرؤيته؛ لأنه مطر فقط؛ يهطل من ملايين السنين بالوضعية نفسها، دون أي جديد سوى تساقط سقوف منازلنا أنزل إلى حديقتي الصغيرة كل يوم لأتفقد الجوافة، وأعد ثمارها الخمس عشرة، وأراقب نموها كل يوم، ولا أتفقد سيارتي الواقفة في الشارع منذ شهر بسبب انعدام الغاز.
التفاصيل الصغيرة تسترعي انتباهي أكثر من أي شيء. لا أصنع من الحبة قبة. تهمني الحبة أكثر من القبة. بإمكاني أن أتنازل عن أي شيء مقابل كلمة تأتي في وقتها. وبإمكاني التمسك بالحبة والتضحية بالقبة أيضاً.
لا أسأل ما هو اليوم، ولا كم الساعة... أحب أن أعيش خارج التقويم. أستمتع بأن اليوم مر دون أن أعرف إن كان خميساً أو ثلاثاء.
حتى تاريخ ميلادي لم يكن لديّ فضول لأن أعرفه، رغم أنه مكتوب في غلاف المصحف الكبير المعلق في صدر المجلس. كنت مستمتعاً بكون التاريخ قريباً مني، دون أن يدفعني الفضول لمعرفته.
تغريني البطاطا المسلوقة أكثر من اللحمة، وأتابع في يوتيوب مسلسل “بيل وسيباستيان”، و”فلونة”، أكثر من متابعتي للأفلام الحائزة على الأوسكار.
لا أتابع هذه الأفلام المزيفة الحاصلة على جوائز.
أشاهد الفيلم دون أن أهتم بمعرفة تقييمه، ولا يهمني اسم المخرج. فإن لم يكن جيداً في الخمس الدقائق الأولى فإني أرسله إلى سلة المهملات.
حياتي هادئة كمطب كبير. ليس فيها ما يغري بالاكتشاف. أحب الرتابة جداً، كالبقاء في البيت لثلاثة أيام متواصلة، كسماع أغنية واحدة طوال اليوم، كأني أحاول مشاهدة اللحن في مخيلة الأوتار، والدخول إلى بطن الشاعر.
ليس لديّ صور في طفولتي. لم أكن وسيماً بما يكفي لامتلاك ألبوم صور.
كانت الصورة المدرسية، أبيض وأسود، إجبارية. وكنت أقترب من القنديل الكبير وبجانبه مظلة فضية، ليبدو البياض أكثر في الصورة، رغم الخدوش التي تملأ وجهي وأنا أحدق إلى إصبع المصور لأركز عيني عليها.
لفتت نظري ذات يوم مرقة “ماجي” أكثر من الثور الذي ذبحوه في شارعنا، وبقي دمه متجلطاً مثل الجيلي الذي توقفت عن أكله، كي لا يمتلئ فمي بدم الثور.

أترك تعليقاً

التعليقات