عن رهانات «التسوية» في الإقليم
 

هيثم خزعل

هيثم خزعل / لا ميديا -

يعني الاتفاق النووي في جوهره رفعا للحصار المالي المفروض على إيران مقابل تنازلين أساسيين تفترض الولايات المتحدة الأمريكية تحصيلهما عبر حفلة ابتزاز طويلة:
الأول: يتعلق بالبرنامج الصاروخي لإيران، تحديدا الصواريخ الباليستية التي وبمجرد الدخول في التفاوض عليها يعني أن تحدد الولايات المتحدة الأمريكية لاحقا مداها ومستوى دقتها وصولا إلى تفكيكها.
الثاني: سلوك إيران المزعزع للاستقرار في الإقليم. وهذا المطلب يستبطن وقف الدعم عن حركات المقاومة في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين، وهو يترجم على مستوى الجغرافيا السياسية بانكفاء إيران التدريجي (وصولا للانكفاء الكلي) عن غرب آسيا، أي انكفاء إيران داخل حدودها كما حصل مع مصر بعد اتفاق "كامب دايفيد".
يدرك صناع أي تجربة تحررية في هذا العالم -ونقصد بذلك محاولة بناء دولة مخالفة للانتظام الذي تفرضه قوى الهيمنة على مستوى الدور والموارد والتطور التكنولوجي- أن سعي قوى الهيمنة لحصار هذه التجربة وإسقاطها سوف يستمر دونما توقف. لذلك تسعى أية دولة من هذا الطراز إلى محاولة السيطرة على مداها الجغرافي الحيوي أو التمدد فيه كي تتفادى تفجرها من الداخل أو القتال على أسوار عاصمتها.
بالعودة إلى إيران، وهي محور حديثنا، استطاعت تجربة الثورة لغاية اليوم أن تعمر حوالي 40 عاما متجاوزة تحديات أبرزها الحرب العراقية المباشرة عليها (وهي حرب أمريكية بالمناسبة)، وحصار اقتصادي ومالي ممتد منذ أربعة عقود. كما تمكنت إيران من تثبيت حضورها في مداها الجغرافي الحيوي في غرب آسيا وأفغانستان وصولا إلى اليمن. لذلك يدرك ساسة إيران جيدا أن أي انكفاء لهم داخل الحدود الإيرانية تحت عنوان "السلوك المزعزع للاستقرار" يعني حصار التجربة الإيرانية تمهيدا لتطويعها أو تفجيرها من الداخل وإعادة وضع إيران على الخارطة التي ترسمها الولايات المتحدة للعالم.
ليست الولايات المتحدة الأمريكية اليوم جمعية خيرية لتغدق على إيران مليارات الدولارات لإنعاش اقتصادها دون أي أثمان جدية تعزز هيمنتها المتداعية في المنطقة والعالم، وليس ساسة إيران الذين تمرسوا بالصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية هواة ليعطوها اليوم ما عجزت عن تحصيله سابقاً، وهم يدركون تماما أن أي تنازل يقدم للولايات المتحدة الأمريكية يعني دخولهم في حفلة ابتزاز مالي طويلة تؤدي في نهاية المطاف إلى حصار دولتهم وضمور دورها وصولا إلى تمزيقها، وهو ما حصل مع الاتحاد السوفياتي والدولة العثمانية قبله.
لذلك، فإن احتمالات التسوية (بما تحمله من دلالات) التي يروج لها بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تبدو بنظري معدومة، والمرجح هو في أحسن الأحوال حصول تبدلات في دينامية الصراع حسب ما تقتضيه إمكانات وأهداف أطرافه بما لا يؤثر على جوهر الصراع المستمر والمتصاعد.
أما عن موقع إيران بالنسبة للقوى الأوراسية الصاعدة وموقع الصراع الإيراني ـ الأمريكي على خارطة الصراع العالمي الأكبر، فذلك مبحث آخر...

 كاتب لبناني.

أترك تعليقاً

التعليقات