لا نصف نصر ولا نصف هزيمة
 

هيثم خزعل

هيثم خزعل / لا ميديا -
أهم ما ورد في خطاب السيد حسن نصر الله الأخير بتقديري أن نمط حرب الاستنزاف أو «الاستنزاف البنيوي» للعدو سوف يستمر. في هذه المرحلة التاريخية، وقياسا بموازين القوى وكل التعقيدات التي تلف العالم، الحرب بالنقاط هي الخيار الأسلم. الحرب بالنقاط جارية مع الأمريكي منذ الـ78 والـ82، أي منذ ما يقارب النصف قرن.
الحرب بالنقاط هي جوهر «الحرب اللامتماثلة». فكرة الحرب اللامتماثلة هي بالأساس فكرة مجنونة، فكرة المقاومة هي فكرة مجنونة. أن تبدأ مشروعا يرمي إلى هزيمة أعتى إمبراطورية عرفتها البشرية بـ»كلاشنكوف» و»آر بي جي» و»كاتيوشا» و»عبوة ناسفة»، وقلة من الشباب المؤمن... هذا جنون بحد ذاته.
هذا الإصرار يوصلك بعد نصف قرن إلى صواريخ «فلق» وطيران مسيّر وتنظيم يضم عشرات الآلاف تتحول معه إلى قوة إقليمية حليفة لحركات مماثلة أصبحت بدورها مؤثرة إقليميا.
في الحرب اللامتماثلة أنت تستطيع أن تغلق البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي بمسيّرات وصواريخ ثمنها قليل ترهق بها كل الدفاعات الجوية للخصم، وتستطيع إغلاق ميناء «إيلات» واستنزاف الكيان اقتصاديا والتسبب بأضرار ومشكلات كبرى له... مع عدو يتفوق بآلته التدميرية ويقف كل الغرب الجماعي معه وأمامه لا سبيل لحرب كلاسيكية تخسر بها سلفا، لا سبيل إلا بالحرب اللامتماثلة.
نعلم أن المشهد في غزة ضاغط؛ لكن هذا هو طريق تحقيق النصر. كلفة «المقاومة» أو الحرب اللامتماثلة هي كلفة كبيرة، نظرا للفوارق المادية والاختلالات الكبيرة؛ لكنها سبيل الشعوب الوحيد لإلحاق الهزيمة بالقوى الكبرى.
«إسرائيل» اليوم، وبعد عشرة أشهر، مأزومة ومهزومة ومنقسمة ولا تعرف كيف تصرف فائض القوة التدميرية الذي تحوزه. جبهتها الداخلية مهلهلة، والمستقبل ليس في صالحها، وهي إن لم تستطع تصفية القضية الفلسطينية في هذه الحرب ولم تجبر مقاومي غزة وحلفاءهم على رفع الراية البيضاء، فهي سوف تخسر الحرب. ساستها يدركون ذلك جيدا، لذلك اغتالوا إسماعيل هنية. اغتيال هنية يعني أن ثمة طريقين أمام «إسرائيل»: الهزيمة الكاملة، أو النصر الكامل، لا يوجد نصف نصر ولا نصف هزيمة، وستكون الهزيمة باستكمال حرب الاستنزاف من نصيبهم. هم لن يستطيعوا الصمود طويلا، وإن هم استطاعوا فلن يستطيعوا تجاوز الأضرار البنيوية والمآزق التي تتعمق يوما بعد يوم.
أطل السيد، بهدوء وأعصاب باردة طمأن جبهته الداخلية، وهدأ روع ناسه، وقال إن غدا هو يوم عمل آخر، غدا هو يوم جديد في عمر حرب الاستنزاف التي ضاق العدو ذرعا بها. أما قضية اغتيال السيد محسن فهي قضية منفصلة عن هذه الحرب، ولو أنها أتت في سياقها. الناس عندنا هادئة بعد الخطاب، فيما كان العدو يخلي ثكناته ويجهز ملاجئه، ومسؤولوه يدعون مستوطنيهم لتخزين المعلبات.
كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات