بين مارتن غريفيث وغسان سلامة!
 

راسل القرشي

راسل القرشي / لا ميديا -

منذ تم تعيينه مبعوثاً أممياً خلفاً للمبعوث السابق إسماعيل ولد الشيخ، منتصف فبراير 2018م، لم نسمع مارتن غريفيث يعبر عن أسفه للجرائم المتواصلة من تحالف العدوان بحق المدنيين، وكأن تلك الجرائم لا تستحق الإدانة والإشارة إليها كونها خارج مهامه واختصاصاته..
ندرك أن غريفيث لو عبر عن أسفه وإدانته واستنكاره لإحدى جرائم العدوان بحق المدنيين اليمنيين، لن تؤدي إلى شيء أو تدفع الأمين العام للمطالبة بالتحقيق في هذه الجريمة أو تلك، كما لن تدفع مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد والوقوف بحزم وجدية أمام تلك الجرائم والمطالبة بمحاسبة مرتكبيها.. أو تؤدي إلى إيقاف العدوان لغاراته والكف عن استهدافه للمدنيين؛ ولكن مجرد الإدانة من مبعوث أممي جاء إلى اليمن كوسيط لحل الأزمة القائمة بين الفرقاء السياسيين، والعمل الجاد والمسؤول للتوصل إلى حلول ومعالجات تقود إلى إيقاف الحرب والعدوان، لها مدلول سياسي وإنساني آخر في نفوس اليمنيين والمجتمع الدولي، كما تقود شعوب العالم إلى معرفة ما يمارس ويرتكب ضد اليمنيين من جرائم وانتهاكات للقانون الإنساني الدولي..
وتعرّف الإدانة بأنها رفض قاطع لأية ممارسة تتعارض والقوانين الدولية، فيما يمكن توصيف الشجب والاستنكار بأنه حالة من الاستغراب لتصرف ما، أما الأسف فيعتبر من أقل المواقف السياسية التي من الممكن أن تسجلها دولة ما تجاه حدث ما، ويأتي أخيراً الصمت الذي ينطوي في بعضه على تأييد، والبعض الآخر يكون مسبباً..
فكيف يمكن تصنيف المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، بعد ذلك التعريف، وخاصة في حالة الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين من قبل تحالف العدوان؟!
وفي المقابل، لو ذهبنا لنرى ردة فعل المبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة، إزاء ما يحدث اليوم من حرب ومواجهات بين ما تسمى حكومة الوفاق وما تعرف بقوات حفتر، في العاصمة الليبية طرابلس.. سنجد أن سلامة يكشف عن حرص وسعي حقيقي إلى تحقيق السلام في ليبيا، من خلال تصريحاته التي تتضمن إدانة واستنكار وشجب وتحميل هذا الطرف أو ذاك مسؤولية ما يرتكب من جرائم بحق المدنيين، أو سعيه لإفشال كل الخطوات المتجهة صوب تحقيق السلام في ليبيا..
وبعيداً عن التوصيفات التي قد يطلقها هذا الطرف أو ذاك بحق هذا المبعوث أو غيره، وأهدافه التي يسعى لتحقيقها، إلا أنني أتحدث هنا عن دور ينبغي أن يقوم به من منطلق إنساني أولاً، وحرص على إنجاح مهمته التي كلف بها هنا أو هناك..
ألا يفترض بأي مبعوث أممي هنا أو هناك أن يحمل على عاتقه رسالة حياة وحب وتعايش وسلام عندما يذهب لممارسة مهامه، ويعمل بكل صدق ومسؤولية لعكسها على الواقع المعيش.. أم عليه أن يكون منحازاً لهذا الطرف أو ذاك، ويعمل على تعزيز الشرخ القائم بين الفرقاء وزيادة الاحتقان في ما بينهم.. ونجده يصمت عند ارتكاب جريمة بشعة بحق المدنيين؟!
هذه المقارنة بين مبعوثين أمميين ذكرتني بوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين، الذي كان ينقل رسالة واضحة لما يشهده اليمنيون من معاناة إنسانية إلى مجلس الأمن.. وكيف أنه اختار أن يكون إنساناً على أن يكون سياسياً متواطئاً مع مرتكبي الجرائم وقادة تجار الحروب وسماسرة القتل..
اختار أن ينتصر لعقله وضميره الإنساني ولمسؤولياته التي جاء إلى اليمن من أجلها، ورمى بكل الإغراءات التي قدمت له من قيادات تحالف العدوان، عكس الآخرين الذين باعوا إنسانيتهم ومسؤوليتهم بثمن حقير، لا لشيء سوى التستر على الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، وفي مقدمتهم الأطفال والنساء، والتغطية على انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان..!
لقد أثبت وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أنه صاحب مبدأ ثابت لا يتغير.. وكلمة واضحة صريحة لا تهادن في الحق ولا تنحاز لطرف دون الآخر، ولا يمكن شراؤها من أية جهة كانت، ولهذا رأي قادة العدوان في بقائه في منصبه خطراً، وطالبوا بتغييره..!
نعم.. هناك أنظمة سياسية حقيرة بلا أخلاق ولا قيم، تغطي على انتهاكات وجرائم العدوان، وترفض توجيه أية إدانة لمرتكبيها، كما تعيق تشكيل أية لجنة أممية مستقلة ونزيهة للتحقيق فيها؛ وتلجأ الى دعم هذا النظام بالسلاح والخبراء، وتحريضه على الاستمرار في ارتكاب جرائمه وانتهاكاته، وعكسوا أنهم القانون الدولي وهم أصحاب القرار في الأمم المتحدة وهم من يأمرون ويوجهون، وهم أحقر من في العالم وأقبحهم..! 
وأنا هنا عندما أقارن بين مبعوثين ليس غرضي اتهام هذا المبعوث أو ذاك بالتواطؤ والابتعاد عن مهامه ومسؤولياته؛ رغم أن ما يعكسه من مواقف أو اختياره للصمت في مثل هذه الجرائم يكشف ويعري توجهاته.. وإنما هدفي المطالبة باستشعاره لمهامه ومسؤولياته التي جاء من أجلها، والعمل على إنجاحها بشتى الطرق والوسائل..
لقد تحولت الحروب والصراعات إلى وسيلة للاسترزاق والكسب غير المشروع.. كما ظهر القانون الإنساني الدولي في الحالة اليمنية محاطاً بمجموعة حقيرة من الأنظمة السياسية التي تقوم بعرضه للبيع والشراء متى شاءت ومتى أرادت..!

أترك تعليقاً

التعليقات