احفظوا كرامة الإنسان
 

راسل القرشي

راسل القرشي / لا ميديا -

رغم كتابتنا أكثر من مرة وتأكيدنا أن البرامج الرمضانية التي تبث من القنوات التلفزيونية المحلية، وعلى وجه الخصوص تلك التي تقوم على تقديم الصدقات والمساعدات الإنسانية للحالات الفقيرة، فيها من الإذلال ما لا يمكن قبوله على أحد، إلا أننا نرى تلك البرامج تتكرر من عام لآخر، كأن الأمر لدى معدي ومقدمي تلك البرامج نزهة أو مسرحية يجب عليهم تكرارها بهدف تصوير الحالات الفقيرة وهي تذرف الدموع عند استلامها تلك المساعدات.
هل تفرحكم تلك الصورة المذلة التي تقومون ببثها تحت مسمى "تراحموا" أو أي اسم آخر؟! هل بتصويركم لدمعة طفل أو امرأة لحظة إعطائهما "مساعداتكم" تسعدانهما بذلك أم هو الذل بعينه؟!
لا تقتصر تلك الممارسات غير المقبولة على البرامج التلفزيونية ومقدميها ومعديها، بل هناك الكثير من المنظمات المدنية الخيرية التي تتخذ من تقديم مساعداتها للأسر الفقيرة والمحتاجين والمعدمين وسيلة للدعاية الإعلامية والتباهي بما تقدمه لتلك الأسر، كأن فعلها الخيري هذا لن يكتمل إلا إن قامت بتصوير ما تقدمه والذهاب صوب نشره في المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي!
من أراد أن يساعد أسرة فقيرة بتقديم مواد غذائية أو كسوة العيد لأطفالها فعليه أن يبتعد عن تصوير ما يقدمه فوتوغرافياً أو فيديو.. وإن أراد أن يصور تحت مسمى توثيق هذه البرامج فليس من اللائق بثها والحديث عنها وهي بتلك الهيئة المؤلمة والمحزنة والموجعة.
الدعاية الإعلامية ليس مكانها تقديم المساعدات للأسر الفقيرة، ولا تصوير طفل أو امرأة أو رجل يذرفون الدموع.. أين هذه المنظمات وفاعلو الخير والبرامج الرمضانية التي تدعي مساعدة الأسر الفقيرة، من التعاليم الربانية والنبوية التي تحث على إخفاء الصدقات؟!
اتقوا الله يا أنتم، واعلموا أن في التصوير مخالفة صريحة لقواعد ديننا الحنيف الخاصة بشأن إغاثة الملهوفين.. كما فيه تعدٍّ صارخ لكرامة المتلقين لتلك المساعدات والصدقات، وليس من الأخلاق في شيء.
تعلَّموا من فنان الهند الشهير عامر خان الذي أعلن عن تبرّعه بكيلو دقيق لكل محتاج، فأحجم كثيرون عن الذهاب لأخذه، إلا من كان محتاجاً ممن يجد في الكيلو الدقيق ما يسد به جوعه وجوع أسرته.
هؤلاء المحتاجون الذين ذهبوا لأخذ الكيلو الدقيق لاحتياجهم الشديد إليه، لم يجدوا هناك من يقوم بتصويرهم، وإنما أخذوه وذهبوا ليجدوا في ما بعد أن كل كيلو دقيق يحوي مبلغاً مالياً بداخله.. وكل ذلك تم دون دوشة إعلامية!
سبحان الله العظيم، هذا الممثل وجد في هذه الطريقة الوسيلة المثلى لتقديم مساعداته، وليس كما يفعل الكثيرون في بلادنا الذين نراهم يتباهون وهم يصورون ما يقدمونه من مساعدات إنسانية للفقراء والمحتاجين!
يا أنتم: احفظوا كرامة الإنسان، وابتعدوا عن المن والأذى إن كنتم حقاً تسعون لفعل الخير والتقرب إلى الله.

أترك تعليقاً

التعليقات