اليوم أقسى من الأمس
 

شرف حجر

شرف حجر / لا ميديا -
اليوم أقسى من الأمس.. فهل حالت دون صفاء أيامنا قوى الدجال؟! نعم..
هل هو مُحال أن نكافح لنستمر؟ لا..
هل من المستحيل أن نتدبر أمورنا في حُدود الممكن، كما يُقال، لنُحافظ على استقرار نفُوسنا ولا نُحرم من الاستمتاع بلحظاتنا الجميلة ومشاعر السعادة المتبقية في يومياتنا رغم كل ما نكتمهُ من الضيم وجور الزمان.
عندما نتباهى أننا شامخو الأنوف فهذه حقيقة نعتزُ بها، صمدنا ونُحارب جيوش العالم التي أصبحت عاجزة أمام خيرة رجال الرجال حفاة الأقدام الذين داسوا بها مدرعات البرادلي ومرغوا ببنادقهم المُتربة أنوف قوى العدوان، وهزموا ترسانات أسلحتها الأمريكية الحديثة،  وجعلوها تتجرع ذُل الهزائم.
نُضحي ونتحمل العناء يتقدمنا بتضحياتنا في كل دار شهيد، تهون المصائبُ علينا عندما نُشاهدُ بسمة جريح مع الاعتراف أن تضحيات المجاهدين لا تقارن ولا تقاس، ومع ذلك فكل مواطن يصطف في جغرافيا السيادة الوطنية مضح ومناضل ويتحمل الكثير بصبر.
 نفتقد غائباً مرابطاً في سبيل الله شهوراً، لفَحت الشمس جبينهُ الطاهر الناصع عزةً وشرفاً وكرامة، وإذا زار الديار، تسأله عند لقائه: أخبارك يا ولي. يقول لك: مكيف في نعمة الحمد لله، عَظمة، ببساطة نفس وجود وعطاء لا يوزنُ ولا يُشترى هذا العطاء والتفاني بمال، فسلام الله عليهم أجمعين.
 لا نُنكر الإجماع القطعي على وجوب الدفاع عن الأرض والعرض حتى آخر رمق، ولا خلاف على حتمية التصدي للعدو دفاعاً عن كرامتنا وخوض المواجهة بكل ما نملك حتى آخر لحظة، أنت وأنا وهذا وذاك، كُلنا نَعرفُ أننا نُدافعُ عن أنفُسنا ضد عدو باغ جار واستكبر وحَشد وجمع الشُذاذ من كُلِ مكان واعتدى علينا، قصفتنا طائراتُهم غدراً في ليلة آمنة، قتلوا النساء والأطفال، ذبحوا الرجال ومزقوا أجساد النائمين الآمنين وحولوها إلى أشلاء، قُتلوا ولم تتسن اللحظة للضحايا ليَعرفوا حتى كيف قُتلوا..
 يُراهن العدو على عامل الوقت منتظراً أننا قد نضيق ونستسلم، يُحاصر، ويمنع الرواتب ويحظر دخول الدواء والغذاء لعلنا نتراجع ونخضع، جمع الأوباش واستأجر العملاء من الداخل والخارج، وينتظر إلى اليوم أننا ربما نستسلم أو نُساوم، وهذا محال.
 كُل مدينة وقرية تزينت جُدرانُها بتاريخ من العطاء وصور تحكي بطولات مُجاهد، زرتُ صنعاء القديمة، فكنت أينما أمرُ وأتلفت ببصري أرى في كل جدار وفي كل اتجاه صورةً لشهيد، البعض منهم ما دون العشرين وآخرون لم يبلغوا الثلاثين، أرى أكثر وأقل من ذلك على جدار في وسط ساحة كل حارة صوراً زُينت بعبارة «شهداؤنا عظماؤنا»، نعم إنهم العظماء، همُ رجالنا وأبطالنا الشُجعان.
 ولحظة وقوفي وأنا أتأمل صور العظماء ممن جادوا بأنفسهم من أجل أن نحيا وننتصر، سُرعان ما تختلط المشاعر بضجيج التناقضات حين يقطع أحدهم لحظتي قائلاً لي: السلام عليكم، كيف حالك؟! أردُ عليه السلام وأقول له: الحمد لله، وأنت كيف حالك؟! نتحدثُ ونتذكر الأيام الخوالي، وفلان شهيد (سلام الله عليه)، وفلان جريح شفاه الله. ويشكي أحدنا للآخر أحوال الدنيا، ومعاناة هنا وهناك، ومشكلة في غاز وماء وغلاء أسعار كل شيء، وظلماً ضاق بهِ صَبرُنا، وضيق نفوسنا من لامُبالاة أصحاب الكراسي والمناصب بما يعانيه الناس والمجتمع من هموم وقضايا.
 يُحيرُني تكرار الأسئلة التي دائماً ما تخطر ببالي في تلك اللحظة، بل في كُل لحظة: لماذا في الجانب الآخر يوجدُ من لا يحترم كل هذه التضحيات والشعب المُجاهد؟! لم لا يتفانى القائمون على احتياجات الناس الضرورية في العمل على توفيرها؟! لماذا لا يصدقون التحرك والعمل تجاه شَعب يَستحقُ الجهدَ منهم؟! بدلاً من الابتسامات الكاذبة والمزايدات هنا وهناك.
 إلى متى يستمر الفرز المقزز وجفاء المعاملة وإغلاق الأبواب وعدم الاستجابة للحق وتسويف الإنصاف وتأجيل العدالة والكيل بمكيالين ومعيارين والتعامل بالأسلوب الجارح؟
 الحلم الأبيض تتزايد في وجهه النقط السوداء التي تعكر روحية الاطمئنان له وتخلق حالات من القلق والخوف من قادم الأيام.
  قنوات مغلقة وطرق مظلمة وعتبات سيد الثورة يطول على المستضعفين المسير نحوها والوصول إليها، وردود طال انتظارها، حجاب قساة جفاة، مسافات طويلة بيننا وبين السيد المولى وطيور أحزاننا المحلقة على أمل إيصال حالنا إليه محظور وصولها إلى روضته الطيبة.

أترك تعليقاً

التعليقات