الهُـدن المشؤومة
 

شرف حجر

شرف حجر / لا ميديا -
لا جديد هو نفس العدو القبيح وعقود من الزمن شاهدة وتقطع الشك باليقين، إنهُ كيان مُختل لا يعرف عن الإنسانية شيئا، ينطلق من أيديولوجيا عقائدية دينية سياسية وعسكرية تنتهج الإبادة الجماعية لنشر الرعب وبث الخوف ظناً منه أن من لا ينزح من الشعب الفلسطيني تجاه مخيمات الشتات سيقتل، وبهذا يتم بسط النفوذ والاستيلاء على ما تبقى من الأرض الفلسطينية.
كيان محتل لأكثر من سبعين عاماً، يمارس ويرتكب أبشع المجازر ويمارس سياسة القتل اليومي الممنهج على مرأى ومسمع من العالم المتفرج ولم يحصل شيء، وكأن جرائم الكيان الصهيوني أمر طبيعي وعمل مشروع ودماء الشعب الفلسطيني لا حرمة لها حتى جاء الـ7 من أكتوبر، اليوم الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى مسارها الطبيعي ومكانها الذي يجب أن تكون فيه رغم حجم التضحيات والثمن المقدم من الدماء الزكية (شهداء وجرحى) للتحرر وطرد الكيان الصهيوني الغاصب، عطاء وبذل لا يقبل تثبيت النقاط ووقف الإنجاز وفرملة الانتصار في ظل مساع محمومة لإعادة الأمور إلى ما قبل السابع من أكتوبر.

الهدنة السياسية
ما تم خلال الأسابيع الماضية ليست هدنة إنسانية ولا حرصا عربيا لنجدة الشعب الفلسطيني، كم مضى حتى تبلور التحرك المشؤوم لأدوات الغرب في المنطقة ووسطاء الشر، أكثر من ثلاثين يوما قتل فيها الصهاينة الآلاف من الفلسطينيين وهدموا وشردوا وحاصروا مئات الآلاف الآخرين، وأطبقت السماء ناراً وجوراً على أهل غزة ولم يغثهم الوسطاء ولم يستنكر العملاء جرائم الكيان انتظاراً منهم ليحقق الاحتلال أهدافه العسكرية وإنجاز مهمته متجاهلين حجم الضرر الذي لحق بالحرث والنسل الغزاوي المقاوم، وهم يعلمون أن أهداف الكيان المعلنة عسكرياً ضرب من الخيال، أغلق الجيران المعابر وأقفل الجبناء حدودهم حتى عن وصول شربه الماء وكسرة الخبز وقرص الدواء.
أتت الهدنة المزعومة بعد نفاد ساعات الاحتلال أمام صمود وصبر واحتساب الشعب المظلوم المقاوم الرافض للخنوع والاستسلام تزامناً مع تصاعد التنديد الشعبي على مستوى العالم والحراك الإنساني الرافض لجرائم آلة القتل الصهيونية، خرجت المسيرات في أنحاء العالم على الرغم من محاولة السيطرة عليها وقمع ناشطيها من أمريكا إلى بريطانيا، لتتدحرج وتَكبُر كرة الثلج وتتصاعد الإدانات وصولاً إلى الجانب السياسي والرسمي ابتداء من كولومبيا وبوليفيا وإيرلندا، فيما تتوالى الاستقالات الرافضة لما يحصل في غزة في أروقة الأمم المتحدة ومراكز القرار الغربي، رفع العلم الفلسطيني وسط استكلندا، الغرب يواجه اليوم معركة تضامن شعبية داخل أراضيه مع المظلومية الفلسطينية.
نشاط وزخم غير مسبوق، وانتشار لفضائح وجرائم كيان الاحتلال لم يسبق أن حصلت من قبل، الأمر الذي أرعب الاحتلال وداعميه، ضغط إعلامي قلب الصورة على رأس الاحتلال لدى الرأي العام العالمي وأصبح من المستحيل السيطره عليه ليتم أمام كل ما يتعاظم في وجه أمريكا والكيان الغاصب ويخرج عن السيطرة اللجوء إلى رفع ورقة الهدنة التي أعلن عنها تحت المسمى الإنساني، فبركة سياسية لامتصاص تداعيات طوفان السابع من أكتوبر وتهدئة غضب شعوب العالم، الذي أقلق قادة الماسونية وزعماء الهيكل الشيطاني وشد لف الحبل حول عنق الكيان الغاصب ورعاة الصهيونية العالمية.

هدنة لإنقاذ الكيان
لم تكن الهدنة لصالح الشعب الفلسطني، حيث تسربت الكثير من المعلومات أن العدو الصهيوني مقبل على هزيمة لم يسبق أن مُني بها من قبل، لذلك كان هدف الهدنة تحجيم انتصار المقاومة والتقليل منه وتلافي آثار ارتداداته وتداعياته المستقبلية على الاحتلال خصوصاً في الداخل الصهيوني.
هدنة لم تلب الاحتياجات الإنسانية لغزة، أيام لم تكف حتى لانتشال من هم تحت الأنقاض إلى اليوم، هدنة ليس لها أي أفق إنساني، وماذا بعدها؟ عودة الكيان للقتل والدمار جنوب وشمال غزة، حيث لا ملاذ آمنا.
الدول العربية والإسلامية لم تستطع ردع الكيان سياسياً ولا اقتصادياً، بل حتى إدخال المساعدات من الدواء والغذاء والاحتياجات الإنسانية بالشكل الذي يعزز صمود شعب غزة، أما فصائل المقاومة فليست في حاجة للدول الخانعة الفاقدة للمروءة، المجاهدون قادرون على تحقيق الانتصار والتنكيل بكيان الشيطان.
لو أن دول الخذلان العربي تمتلك ذرة من النخوة لسيرت مئات الطائرات المحملة بقوافل المساعدات من غذاء ودواء ومستلزمات مدنية تخفف من معاناه غزة، ليس مطلوبا منهم سلاح أو معدات عسكرية، ولا يريد أحد تحليق طيرانهم الحربي لقصف الاحتلال كما قصفوا اليمن، لا يريد أحد إحراجهم وتوريطهم في المواجهة التي ليسوا أهلاً لها، ولكن على على أقل تقدير يقدمون ما ينقذ الأطفال الرضع والمرضى من باب الإنسانية التي يدعونها زوراً وبهتاناً، ولكن اهتمامهم ينصب على الصهاينة الأسرى لدى المقاومه فقط ولا يعنيهم الفلسطينيون في معتقلات الصهاينة لأزمان ماضية.
كم عدد الأسرى في معتقلات الاحتلال الذين مضى عليهم سنوات، وبعضهم عقود؟ هل ناقش القطريون وطالب المصريون وغيرهم الاحتلال بوقف الزج بالفلسطينيين في سجونه المأساوية وانتهاك حريتهم، وفي ظروف اعتقال خارج النطاق الإنساني والقوانين الدولية التي لا تشمل الفلسطينيين والمسلمين بشكل عام، من وجهة نظر الاستكبار العالمي.
كانت هدنة واستراحة لأيام نام فيها الغزاويون في العراء، يفترشون أنقاض الخراب وركام الدمار، ناموا وهم يعرفون أنهُ لم تعد لهم سقوف يقصفها الاحتلال ويهدمها على رؤوسهم، ناموا لأيام بين أنقاض منازلهم التي تحولت إلى أطلال يبحثون في جنباتها عن شيء يمكن أن يأخذوهُ معهم استعداداً لقادم الأيام في مواجهة تصعيد الاحتلال، هدنة لإنقاذ الأنظمة الداعمة للكيان من ضغوط الناخبين في الداخل الغربي.
هدنة كشفت زيف تمثيلية حراك دول التطبيع وعلى رأسها النظام السعودي الذي أعلن عن جولات دولية وزار الصين وروسيا فيما تم الإعلان عن الهدنة وهم يغردون خارج اللعبة الدولية.
هدنة اقتحم فيها الصهيوني جنين وبقية مدن الضفة يقتل ويفجر المنازل ويحرق ويعتقل ويحلق بالطيران مصمماً على مشروع التهجير.
هدنة لتلميع النظام المصري الذي يبتز الدعم لمصالحه على حساب تضحيات غزة، معلناً في مزاد نخاسته رؤية غزة وفلسطين منزوعة السلاح، ليكونوا قرباناً ولقمة سائغة لعدو مدجج بالسلاح ومتشبع بشره إبادة شعب فلسطين، ودون مقاومة يستفرد بهم الصهاينة على مذبح قباحة الأنظمة المستعربة، يريدون غزة أشبه بالضفة المستباحة للعدو الصهيوني، يقتحمها متى شاء، لأن غزة كانت نموذجا للجغرافيا والسيادة المحرمة على دخول قطعان الكيان وجيشه. بينما قطر تمارس دور احتواء الشق السياسي داخل حركة حماس لمصلحة الكيان والأجندة الأمريكية والغربية.
وفي اليمن، يخوض بلدنا وشعبنا اليمني بطولة المواجهة ضد أمريكا وعربدة الاستكبار العالمي وقلب المعادلة في البحر والبر والجو، لا ينتظر ويطلب نزع القيود من قدميه بل ينتزعها بيده التي قلبت قواعد الاشتباك وصفعت الهيمنة المستكبرة، وبالتالي يجب أن يكون سقف الحوار مع دول تحالف العدوان السعودي يواكب المرحلة القائمة، ورفع السقف عالياً بدون تنازلات وتجاوز الململة والتسويف، فقد طال الصبر ولم يعد الوقت يحتمل أي تأخير، يجب التعجيل بكي وحسم ما يلزم تصحيحهُ داخلياً كضرورة لا تقبل التأجيل لتعم العافية سائر الجسد الذي بات يشكو السهر والحمى ويحتاج لتصحيح كامل بنيته ليحقق النصر بإذن الله.

أترك تعليقاً

التعليقات