نهاية المطاف
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ونحن في خاتمة كتاب «الرحمن اللغز الأكبر» لنشوان دماج، نرى أنه لا بد من إيراد قصة وردت في روايات الإخباريين حدثت للنبي مع اثنين من زعماء بني عامر بن صعصعة، الذين حاربهم أبرهة، وهي قصة عامر بن الطفيل وابن عمه أربد.
والقصة مذكورة عند ابن إسحاق وفي أكثر من مصدر إخباري، وإن جعلوها في فترة متأخرة من حياة النبي. ولأنها ذكرت بشكل متفرق في تلك المصادر فسنقف عندما أورده أحد الدعاة منها مجتمعة في أحد كتبه.
يقول: «يأتي عامر بن الطفيل هذا خسيس مجرم، سيد قبائل بني عامر بن صعصعة، يقود ألف مقاتل، كل رجل منهم يمكن أن يذبح نفسه بنفسه في طاعة هذا المجرم الأمير، وكان يسمى ملاعب الأسنة.
فأتى هذا إلى أربد بن قيس، وهو أخو لبيد بن ربيعة لأمه، قال: ما رأيك نقتل محمداً أنا وإياك؟ قال: نقتله. قال: نذهب أنا وإياك فإذا وصلنا إلى المدينة أخرجناه من المدينة (يعني: الرسول) فإذا أصبح معنا في الصحراء فسوف أشغله بالحديث واقتل الرجل، فأخذا سيفين حادين ماضيين فسما السيفين حتى أصبحا سماً زعافاً، وخرجا إلى المدينة، فلما وصلا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى آله قالا: يا رسول الله، نريدك في أمر فاخرج معنا لأمر مهم. فخرج بردائه، لا سيف ولا عصا ولا حرس؛ لكن عين الله ترقبه... فيخرج إلى الصحراء فيقول عامر بن الطفيل: تعال يا محمد، اقترب مني، فاقترب عليه الصلاة والسلام، فأخذ عامر يحدثه ويشير إلى أربد، وأربد هذا شاب من أشجع شباب العرب، سل السيف وراء الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله يريد ضربه صلى الله عليه وسلم، ويشير عامر بعينه لأربد يقول: اضرب، فيتوقف، فيحدثه ويشير فلا يفعل، فيحدثه فيشير إليه فلا يفعل حتى طال النهار، وبالأخير ودع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال لأربد: لا تصحبني، أنت أجبن الناس، لا تزال جباناً حتى تموت، شغلت الرجل عنك وما قتلته. قال: دعني من هذا، ما رفعت السيف -ويحلف يمينا- إلا رأيت كالبرق يخطف بصري، فلما خرجا من عنده علم صلى الله عليه وآله وسلم الاتهام والريبة، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اكفنيهم بما شئت».
فإذا أزحنا من تلك القصة بعض الرتوشات، سيتضح لنا أنها لا يمكن أن تستقيم في أجواء المدينة؛ إذ كيف سيجرؤ عامر بن الطفيل هذا أن يفتك بالنبي وسط كل تلك الحشود من أصحابه؟! وكيف سيستجيب النبي لعامر بأن يخرج وحيداً إلى الصحراء ليخلو به هناك؟!
فالقصة توحي بأن الحادث سابق ولا علاقة له بوفد بني عامر إلى المدينة. فهل لهذه القصة علاقة بما قيل إنه حادثة شق الصدر في بادية بني سعد؛ خصوصاً أن عامر هذا هو صاحب جريمة بئر معونة، التي راح ضحيتها سبعون من صحابة النبي غدراً على يده، وظل النبي يلعنه شهوراً بأكملها، وقد رثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد بقصيدة توحي بأنه قالها وهو في أوج شاعريته، وقبل أن يزعم القوم أنه أسلم.
أما أربد هذا فهم يقولون إن صاعقة قضت عليه استجابة لدعاء النبي، فيما عامر بن الطفيل يقولون إن طاعوناً أصابه. وأما لبيد فقد أكرمه القوم لدرجة أن إحدى نساء النبي كانت تحفظ من شعره ألفي بيت، بل وقيل إن النبي امتدحه بأن قال «أصدق كلمة قالها لبيد».

أترك تعليقاً

التعليقات