العدل أساس الحياة الغائب
 

شرف حجر

شرف حجر / لا ميديا -
مطلب حق للبشر أن يعيشوا حياة آمنة مستقرة هادئة كريمة يحيونها بالشكل الذي يُشعرهم بأن الحاكم عادل، وأن الدولة تضمن لهم العدالة في حقوقهم وآدميتهم، كي يعيشوا بدون خوف أو قلق، يتحركون لا يخشون على أنفسهم وأموالهم إلا الله، وإذا حصل ما يقلق سكينتهم فإن الدولة العادلة الضامن والمتكفل بقطع دابر أي ظالم وبإنصاف كل مظلوم.
اليوم أي ظالم مُعتدٍ متجبر بكل ثقة واستفزاز وكِبر يقول للمظلوم: سير شارعني! سير اشتكي بي!... لقناعة في نفسه أن المظلوم سيذوق المُر ويذوق الدم ويتخبط على أبواب الأجهزة المعنية ويقضي الشهور والسنين ولا يصل إلى جواب، حتى تنهار قواه وتتجعد تقاسيم وجهه، والعدالة قيد الانتظار، وهذا مرهون بإمكانيات وعلاقات الظالم في تحديد الزمان وطول المراحل.
قضايا لا تستحق التأخير في إنجاز العدالة: حضانة، نفقة، قسمة حسب المواريث الشرعية...
عند مناقشة بعض رجال القضاء، يسعى البعض للتبرير بمبررات بعضها مقبول وأخرى واهية، وآخرون يشكون معوقات، منها ما هو معقول ومنها ما هو غير مقبول.
بسبب ترحيل القضايا وتأخير البت في تحقيق العدل تتابع التبعات وصولاً لمواجهة الأطراف وحصول قضايا القتل وهكذا...
مشكلة بعد عقود من الشريعة تخرج الأحكام وقد قضى صاحب المظلمة الأجل مظلوماً، والبعض وقد غلبهُ العجز وأفقرته مراحل التقاضي ونالت منه سنوات القهر، وعندما يصدر الحكم الذي لم يعد يرفع ظلماً ولا يجبر ضرراً ولا يعوض عن كل ما راكمته الأعوام المنقضية في مراحل انتظار طويلة جداً، من الذي ينفذ الأحكام لصالح أصحاب الحق والدولة متخلية عن واجبها في إحقاق العدالة وقطع دابر الظالم؟! وهنا مشكلة جديدة، ولا عذر في استمرارها وعدم وضع المعالجة العاجلة إطلاقاً.
عدل الحاكم ودولته تنعكس إيجاباً على المجتمع في التعليم والتطبيب والتقدم الاقتصادي وتنمية البنى التحتية من الخدمات الأساسية للبلد، تنعكس على أحوال الشعب عندما يكافح الفساد وتوظف الموارد في مصارفها الصحيحة التي تحقق الغاية من وجود «دولة للشعب لا شعب للدولة» كما قال الرئيس الشهيد صالح الصماد (رحمه الله)، وإذا كان الشعب مفقراً فالدولة ظالمة.
نجاح ملموس لهيئتي الزكاة والأوقاف، وفشل مخيف في الجانب القضائي، أم أن الإنجاز لا يتحقق إلا في جانب جمع الإيرادات من طول وعرض المواطن؟!
بمجرد فتح الموضوع يستنفر المبررون ويبدؤون بسرد الأعذار ورواتب القضاة و... و... و... مطالب شخصية. من حق الكادر القضائي أن تلبى مطالبه الحقة في الوقت والزمان المناسب، عند زوال الغُمة وانفراج الأزمة وتحقق النصر المبين. لكن المطالب أساساً ليس لها علاقة بتعثر تحقيق إصلاح قضائي في سير عمل القضاء ميدانياً بشكل شامل يمثل الدولة الثورية العادلة الني تلبي تطلعات الشعب وثقته في ثورة الـ21 من أيلول، التي هي فرصة حقيقية لإنجاز كل أهدافها في ظل وكنف القيادة الوطنية الحرة النزيهة ممثلة بشخص سيد الثورة (يحفظه الله)، ووجوده بيننا صمام أمان ومحل إجماع، فرصة لتحقيق كل الأهداف الثورية المحقة والعادلة، وانتشال الشعب من الهموم والتخفيف من معاناته، فرصة في هرم المؤسسة القضائية وجود شخص صاحب رؤية وعقلية وطنية فذة كالدكتور إسماعيل الوزير، لماذا لا يتم الاستفادة منه والاستماع لما لديه والأخذ به لتحريك الركود الحاصل وتنفيذ خطة تحقق الإنجاز، بدل عقد ورشات وندوات واجتماعات بدون نتائج يلمس خيرها الشعب.
مراحل وفترات التقاضي أكبر سبب لتراكم المظالم وتعاظم التبعات وتكدس الناس على أبواب المحاكم.
غياب الرقابة الحقيقية الفعلية على عمل منتسبي السلك القضائي وكوادر المحاكم من الأسباب أيضاً.
عدم البت في معاقبة وعزل من خان أمانة القضاء سبب في تمادي واستمرار الخلل والانحراف الموجود في كثير من الأماكن.
أقص عليكم باختصار: (في بلد ما) رفع مواطن دعوى ضد شخص يطلبه قرابة المليار. بعد دعاوى في المحكمة حُجزت على المدعى عليه «بصائر» لأملاك بما يساوي حق المدعي، وسُلمت للمحكوم مقابل حقه. أودعت الوثائق بمحضر رسمي في خزينة المحكمة. بعد فترة، وعند طلب التنفيذ بقاضٍ جديد، تخيلوا يكتشف المدعي أن «البصائر» أُخرجت من خزينة المحكمة وأعطيت لغريمه، الذي قام ببيع الأرض وتعطيل «البصائر» وإعادتها إلى خزينة المحكمة بكل بساطة! اكتشف المدعي ما حصل فجن جنونه، اشتكى في كل مكان، ولا حصل شيء؛ فمَن سينصف مَن مِمَّن...؟!
النصوص والقوانين ليست مشكلة، تُعدّل، تراجَع، تُصحَّح، بما يتوافق مع المرحلة، والتغيير المطلوب إنجازه مواد صاغها الإنسان. المسؤولية الحقيقية في نزاهة وعدالة القاضي، الذي متروك لهُ التأويل والتفسير والتقييم والتقدير والحكم، فإذا كان القاضي عادلاً، نزيهاً، يخاف الله، فسيحكم بالحق ويعدل في حكمه، و(لا حاجة لأن ينام تحت شجرة كما فعل الخليفة الثالث عمر بن الخطاب)، والا يخلي الختم عند ابنه.
الظلم عبر التاريخ سبب معاناة الأمم، فنهب الثروات والاستيلاء على مقدرات الشعوب لصالح النُّخب الحاكمة سبب رئيسي في تفقير عامة الشعب ووجود فارق مهول في المستوى المعيشي. لا نتكلم بمصطلحات البرجماتية المتخمة وباللهجة البغيضة للمدافعين عن محيطهم الإقطاعي الناهب للشعب، ليقول البعض: «هي أرزاق»، لا خلاف أنها أرزاق، ولكن من يزرع ويحصد، من يصطاد، من يتاجر وبنزاهة وشرف، أما من يسرق وينهب ثروة الشعب باستغلال منصب ووظيفة فليست أرزاق، بل هو ظلم وخيانة، تدمير وتفقير للشعب.
ليس مطلوباً من الدولة توزيع الثروة على العامة. المطلوب توظيف الثروة ومقدراتها لخدمة الشعب وتحقيق ما يجب لحياة مستقرة: التعليم، الصحة، الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وطُرُق، الزراعة، الاستقرار في أسعار متطلبات المعيشة، الغذاء... إلخ.
والأرزاق من الله، فكل مواطن يسعى بعد لقمة عيشه.
في درس ومحاضرة هامة جداً للشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) بتاريخ 14/ 1/ 2002، الله والكلام الذي قاله عن سخط العامة، وفارق مستوى المعيشة بين الطبقة الحاكمة والشعب! كلام واضح، صريح، ناقد، فيه من الرسائل وكأن الشهيد القائد يوثق لزماننا ويومنا هذا! الكلام جعلني أسترجع عهد أمير المؤمنين إلى مالك الاشتر، أثبت لي أن طريق الأولياء لا يتغير، وإن كان الفارق الزمني قروناً طويلة، فمنهج الحق واحد، وطريق الصادقين هو نفسه الطريق، والعدالة ورفض الظلم أساس قيامهم في كل زمان (رضوان الله عليهم).
العدالة المتأخرة أشبه ما تكون بقبلة وداع على جبين الميت. ولا عذر لصاحب كل مسؤولية أمام الله.

أترك تعليقاً

التعليقات