أنظمة فـي عنق الزجاجة
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لاميديا -
هذا الصمت الثقيل والمخجل من أنظمة عربية متواطئة مع العدوان، ومع تلك المجازر البشعة والإبادة الجماعية المتوحشة والهمجية، التي تزداد يوماً بعد يوم، ومع المأساة التي يعيشها أهلنا في غزة، لم نسمع من تلك الأنظمة إلا وساطات وسمسرة واجتماعات مشبوهة وكل ما هو مشوه للحقائق وضعيف المحتوى والمضمون ومؤيد لمشروع العدو الرامي لتغيير ملامح المنطقة وفرض مشروع «الشرق الأوسط الجديد».
عندما نرى ونسمع ونشاهد تلك المهازل العربية لا بد أن يتحول ظننا إلى يقين بأن مواقف تلك الأنظمة وتضامنها وتعاطفها هو مع العدو، ومصابة بالاضطراب والتبلد الذاتي في التفاهة والسفالة والانحطاط والضياع، ومنحرفة نحو مسار الانهيار، تلبس وتخلع وتنتزع إنسانيتها وتبدل مواقفها المشينة لصالح العدو كما تبدل بعض الحيوانات جلودها.
أنظمة في حقيقتها ذئاب، وأرواح خسيسة ترتكب أفظع أنواع وصور الانحطاط والسفالة والغدر، بتضامنها مع العدو الذى أعلن حربه علينا منذ اليوم الأول لوجوده، حربه على الرضيع والطفل والنساء والشيوخ، وعلى الشجر والحجر، ويبشرنا بانهيار مجتمعاتنا وإنسانيتنا وتاريخنا وحضارتنا، ويجاهر بذبحنا من الوريد إلى الوريد، بقصفه الهمجي المتوحش بمدافعه وقذائفه الفسفورية المحرمة دولياً وتقنياته المتطورة والحديثة مقابل عُزل حفاة.
عدو يفعل ما يشاء، يعبث بالأرواح، يقصف الرضع والأطفال والنساء، بينما الأنظمة العربية لا تتمتع بالحس الوطني والقومي، ولا تتمتع بالكرامة والوجدان والضمير والعزة والحياة الكريمة.
أنظمة دخلت في متاهات الظلام والتخلف، ومعتزة ومفتخرة بتخلفها، وراضية بهذا التخلف والخذلان والغدر، وتعتبر ذلك من «الحكمة» و«السلامة»، أنظمة تركت الخضوع والإذلال والاستهانة تتدفق في عروقها، دون أن تفعل شيئاً أو حتى تنفعل أو تحس.
أنظمة أعلنت موتها واستقالتها من الحياة ومن الكرامة ومن الإنسانية ومن الضمير ومن أي موقف وكرامة ومسؤولية تاريخية وقومية وإنسانية. مأساة تلك الأنظمة في تعاطيها مع تلك الخيارات المفروضة من الآخرين، خيارات ومشاريع بائسة وممسوخة تعود بالتاريخ إلى الوراء.
التخلف شامل، والمتخلف سياسياً متخلف في موافقه ومبادراته ومشاركته بالفعل الوطني والقومي، وتلك الأنظمة معترفة بتخلفها وتفرضه على شعوبها، أنظمة أذلت شعوبها وجعلتها تبحث عن ملجأ تهرب إليه من الخيبات، استلبت كل آمالها وأحلامها، وألقتها خارج مدار العالم وحركته، متلقفة بقايا الشعوب الموصوفة بالتقدم، عاجزةً عن الفعل، تستهلك وقتها في التسلية لتنسى أن تنفعل وتمعن في الانتظار الذي أصبح عبثاً، انتظار الحياة الكريمة، وهو انتظار قد يأتي أو لا يأتي.
أنظمة خرساء مصابة بالعقم والقحط والجفاف والمجاعة والفساد والتخلف والتجزئة وبكل مقومات الانهيار. وتعتبر الملاجئ القطرية ملاذاً آمناً وأميناً... أنظمة حركتها متناثرة، وهي حركات ليست أكثر من رجفة أشبه بالقشعريرة، رجفة تسبق الموت بلحظات قصيرة.

أترك تعليقاً

التعليقات