العدو الحقيقي والوهمي (2)
 

طاهر علوان

الهجمات الشرسة وحملات التجييش والدعوة (للجهاد المقدس) ضد طهران، أفضت إلى إحداث تصدعات وشروخ كبرى في إمكان قيام مخطط قومي استراتيجي متكامل في الساحة العربية. دعوة السعودية تتصادم مع الدعوة الحقيقية للجهاد المقدس ضد إسرائيل وتحرير الأراضي الفلسطينية المغتصبة والمقدسة، فإيران ليست إسرائيل، ولا طهران القدس، إيران ومنذ اللحظات الأولى للثورة الإسلامية وضعت موقعها ودورها وفكرها الإسلامي موضع الصدام مع أمريكا والصهيونية، وخالفت توجيهات عتاولة القتل والتدمير والإرهاب (أمريكا والسعودية)، لو أن إيران انتهجت طريق (الإسلام) بعقلية ملوك ورؤساء قمة الرياض الإسلامية - الأمريكية، لكانت حظيت بما تحظى به تلك الأنظمة من رعاية وتدليل، وأسقط عنها تهمة الإرهاب، ومنذ بداية الثورة حددت إيران من هم الملائكة ومن هم الشياطين.
دعوة الجهاد موجهة أساساً ضد محور المقاومة في الوطن العربي والإسلامي، بكل وضوح، كما جاء في البيان الختامي لقمة الرياض. الدعوة الصريحة لتحجيم قدرات المقاومة العسكرية، وفرض الحصار السياسي عليها، واتهامها بالإرهاب غطاء خادع هدفه شل حركتها وتعطيل فاعليتها، وهو الدور المحوري الذي تلعبه مملكة الشر السعودية ومشروعها الانتحاري على الصعيد الاستراتيجي، بعدما ألغت دورها الذي يجب أن تلعبه ضد العدو الحقيقي للأمة العربية والإسلامية (إسرائيل).
السعودية مسلوبة الإرادة السياسية منذ تأسسيها، وفاقدة الهوية والاستقلالية، ولا تستطيع أن ترسم سياستها وخياراتها ومحددات علاقتها الداخلية باستقلالية عن العوامل الخارجية في ظل التبعية السياسية والاقتصادية لدول الغرب، خاصة أمريكا التي سعت منذ قيام الثورة الإسلامية إلى فك الارتباط وقطع العلاقات بين السعودية وإيران للاستفراد بكل منهما، وهو نفس مخطط الحرب العراقية - الإيرانية التي انتهت بما لا تشتهي السفن الأمريكية والسعودية والخليجية الممولة للحرب، ومن الطبيعي أن ما لا تشتهيه أمريكا والسعودية هو الجهاد المقدس ضد إسرائيل.
السعودية أداة لتنفيذ مخطط أمريكي هدفه الأساسي خلق حلف عربي - إسرائيلي يواجه ويتصدى بالنيابة عنها لمحور المقاومة والعدو الجديد المتمثل بالجمهورية الإسلامية بعد سقوط العدو القديم (الاتحاد السوفيتي). قيام حلف بأهداف ودعم أمريكي ورغبة إسرائيلية حفاظاً على مصالحها ووجودها، وعلى الأنظمة العربية القريبة والمتقربة منها علناً وسراً، والتي تسخر إمكانياتها وطاقاتها لمصالح إسرائيل، لا لمحاربتها كما تفعل إيران. حملات السعودية والتجييش ضد إيران واختلاق الخوف منها ذريعة وتغطية للعلاقات الحميمة مع إسرائيل.
إن الإخفاقات في إقامة علاقات صحية وسليمة وبناء استراتيجية وانفتاح سياسي واقتصادي وتقوية الروابط والمصالح المشتركة مع إيران، يعود بدرجة أساسية إلى عوامل وارتباطات السعودية بالمخطط الأمريكي، وإلى طغيان تلك الحسابات السياسية للنظام السعودي ناقص الشرعية، وعلى حساب شعب الجزيرة وتطلعات الشعوب العربية والإسلامية وطموحاتها.
إيران تمثل أهم دول الجوار الجغرافي للعالم العربي، وعلاقاتها بالعرب متميزة، وتدعم القضية المركزية للعرب والمسلمين (فلسطين) ومحور المقاومة والتصدي للاحتلال الصهيوني، ولديها الرغبة الحقيقية والتوجه السياسي الصادق للتعاون والانفتاح السياسي والاقتصادي والعلمي، وسياستها الخارجية تتفق مع التوجه العام للأمة العربية في معاداة إسرائيل وأمريكا، ناهيك عن استفادة الدول العربية من التطور الإيجابي لإيران التي حققت تقدماً هائلاً في المجالات الاقتصادية والصناعية والعلمية، خاصة وأن هناك تقارباً جغرافياً يخفف من الأعباء الاقتصادية وتكاليف النقل.. هذه العناصر مجتمعة كفيلة بإضفاء مزيد من التنسيق، وتساعد على الانفتاح السياسي والتعاون الاقتصادي والدبلوماسي في أكثر القضايا الرئيسية التي تهم الأمة العربية والإسلامية.

أترك تعليقاً

التعليقات