إمبراطورية الشر
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
أمريكا ضيقت الخيارات ووضعت دول العالم أمام سياسة الممر الضيق بتدخلاتها السياسية والعسكرية بشؤون الدول وخلقت تداعيات مدمرة وكلفة باهظة إنسانياً، وأجبرت دول العالم على اتخاذ موقف من اثنين لا ثالث لهما، فإما أن تكون معها وإما أن تصبح هدفاً لها، لأن من ليس معها هو مع «الإرهاب»، حسب المنطق الأمريكي الإمبراطوري، وساد الاعتقاد لفترة بأنه لم يعد لأمريكا عدو على قدرها يستطيع أن يقول لها لا. هناك فقط عدد قليل من الدول المقاومة لإمبراطوريتها وهيمنتها، ومن ضمن تلك الدول اليمن.
تفكك الاتحاد السوفييتي سهَّل وصول حلف الأطلسي (الناتو) إلى حدود روسيا بعد انهيار الاتحاد الإنساني القوي المنافس الوحيد لإمبراطورية الشر ودخول أغلب جمهورياته إلى بيت الطاعة الأمريكي، وتأكد الاعتقاد بأن الحرب بين الدول تراجعت، وأن بديلها هو الحروب الداخلية التي لا يمكن أن تكون معزولة عن التأثير ودعم ومساندة إمبراطورية الشر، حيث سعت أمريكا إلى عولمة الحروب ونجحت في ذلك، فالعدوان على اليمن أخذ أبعاداً كونية، وحرب البلقان أيضاً أخذت أبعاداً عالمية، وحرب الخليج الثانية احتاجت إلى تحالف دولي، وكل الحروب والاعتداءات في العالم تقودها أمريكا وأسلحتها أمريكية، وحتى المشاركة بالعديد من الضباط والجنود والمعلومات الأمريكية، حروب واعتداءات لا ينعقد نصابها بدون إمبراطورية الشر، ولا تصدر الأوامر إلا عنها ومنها لإخضاع العالم، وعلى الجميع الطاعة والتنفيذ والإقرار بأن أمريكا هي إمبراطورية وسيدة العالم، وهذه السيطرة إن لم تأت طوعاً فعبر إرهاب الجميع بقوة السلاح وباعتمادها على أداوتها؛ تلك الدول الدائرة في فلكها.
أمريكا وجدت الساحة المثالية لتمارس لعبتها ولعنتها السياسية والعسكرية والاقتصادية على أوسع نطاق وبحرية مطلقة وبدينامية لم تعتدها أوروبا من قبل. وزاد أمريكا تمكناً أنها لم تجد منافساً لها في الساحة، ما سهل مهمة دبلوماسييها الذين تم اختيارهم -وتحديداً في بداية مراحلها الأولى الاستعمارية وغزوها للعالم- على نسق نجوم هوليوود، وجوه باسمة ساحرة تخفي وراءها سموماً سياسية قاتلة، فاستطاعت أمريكا الحالمة بالإمبراطورية الانتشار في شتى بقاع العالم مما أعطاها مظهر القوة إلا أنه في الوقت نفسه مؤشر ضعف وخطوات واسعة على طريق الانهيار، وهي قاعدة عرفتها كل الإمبراطوريات التي حكمت العالم.
نحن أمام إعادة كتابة التاريخ، فعصر الأحادية القطبية انتهى، والحروب السابقة التي خاضتها أمريكا وأعطتها مظهر القوة لم تجنبها الهزائم الكبرى في اليمن وسورية والعراق وأفغانستان والآن في أوكرانيا. فشلت الإمبراطورية الأمريكية في السيطرة المطلقة على العالم وفرض النمط الأمريكي وإحلال المصالح الأمريكية العليا -أولاًـ على الجميع، وانتزاع قرار دولي بأن أمريكا هي سيدة العالم ومن حقها استخدام القوة والغزو كل ما أرادت، وعندما تريد، وحيثما تريد.

أترك تعليقاً

التعليقات