فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمهُ، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أُخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}.
يذهب علماء معاني اللغة العربية إلى أن حذف المبتدأ في أول الجملة قد يدل على التنويه، وتقدير العبارة في أول الآية هو: هذا شهر رمضان، دلالة على التنويه بهذا الشهر الكريم.
وهذه الآية المباركة مبدوءة بآية قبلها هي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، فذهب علماء التفسير إلى أن الأمر في القرآن الكريم يقتضي الفرض الوجوبي فيما بعده، والخطاب في {يا أيها الذين آمنوا} استئناس يمهد للفرض، وكأنّ المؤمن الذي قد خالطت قلبه بشاشة الإيمان هو الذي يقوم -راضياً- بعبء تكليفي. بعبارة ثانية أن المؤمن هو الذي يستوعب الأمر ويتلقاه بالرضا والقبول.
وإذا عدنا في الحديث إلى التنويه بشهر رمضان فهو تنويه بقداسة هذا الشهر، ولسبب واضح، وهو: {الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}. وذهب علماء التفسير أيضاً إلى أن القرآن أنجز ثلاثة محاور رئيسة:
1 - ركيزة وحدانية الله الواحد القهار، والذي يقتضي العبادة له وحده لا شريك له والتسليم بقضائه وقدره، وأنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله، فهو خالق السماوات والأرض وجميع ما فيهن، وهو المستحق للعبادة، لأنه الرازق الذي قدر في الأرض أقواتها، وبيده الضر والنفع، وإليه يرجع الأمر كله، وهو المحيي المميت والحي الدائم الذي لا يموت.
2 - ركيزة التشريع وتحديد الحلال من الحرام، وضع الأحكام التي تقتضي مصالح العباد وتضع الشروط التي بموجبها يسير الإنسان المسلم السيرة المثلى على الصراط المستقيم الذي اقتضاه الله. وهذه الركيزة تقتضي موجزاً للأمر الإلهي الكائن في عبارة: «افعل... ولا تفعل...».
3 - تحديد سير العلاقات بين المسلمين وغيرهم، وهو ما يطلق عليه العلماء تنظيم وإدارة العلاقات العامة، التي تقتضي جمال التعامل وكمال الأخلاق الفضلى التي يتم الله بها مبعث نبينا محمد (صلى الله عليه وعلى آله)، ومن ذلك ترتيب ما يمكن أن نطلق عليه فن «الإتيكيت» أو فن التعامل، كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحوا يفسح الله لكم}، وقوله تعالى: {وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}.
ولعل هذه الركائز من مقتضيات هدي القرآن الذي أنزله الله في ليلة القدر (السابع والعشرين من شهر رمضان) إلى السماء الدنيا، ثم نزل إلى الأرض منجماً (مفرقاً) بحسب الوقائع، فرمضان -إذن- شهر القرآن، يتذكر فيه المسلم أن يكون وقافاً عند هذه الركائز التي أجملناها فيما سبق. وهناك لمحة دالة في أن المشرع وهو الله له حق الاستثناء كما ينطبق عليه فيما يطلق عليه الرخصة في الأحكام الباتّة: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، و{فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر}. ومن مقاصد الإسلام التيسير على العباد، وهو قوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.
إن شهر رمضان يوجب الاحتفاء به من قبل المسلمين الذين منّ الله عليهم بهذه العبادة التي توحد المسلمين وتلغي بينهم مسافات الفرقة والاختلاف.

أترك تعليقاً

التعليقات