فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

من طباع الإنسان القلق، وهي حالة مرضية عن دوافع إنسانية من ضمنها عدم الثقة بالمجتمع أو بالأفراد، وعندما تسيطر هذه الحالة على الإنسان، فإنه يظل يعاني إلى درجة أنه قد يصاب بالجنون. ويمكن أن نصنف القلق جغرافياً، فسكان الصحارى أكثر قلقاً، لأن الإنسان لا يدري من أين يداهمه الشر أو المأساة، فالفضاء مفتوح على مصراعيه، بخلاف سكان الجبال، الذين يتميزون بالهدوء النسبي، إذ تكسبهم الطبيعة كثيراً من الأمان، غير أن المريض بالقلق -مثلي- يصابون بالقلق لأن لا شيء يدعو إلى الصدق، بل لا شيء يدعو للثقة بالآخر.
حدد موظف "اليمنية" الرحلة إلى القاهرة 8 صباحاً، والحضور إلى المطار 6 صباحاً، فكنت في المطار الخامسة صباحاً، ولما بدأت بعمل الإجراءات، قال الموظف بكل برود: الطائرة طلعت.. طلعت فين؟ قالت موظفة سمراء: طلعت في الجو..! لمن أشكو، فلا مدير ولا مسؤول غير هذا الموظف الصغير وزميلته شبه الحسناء. ولما ارتفع صوتي عالياً، عادت الموظفة تقول: لا قلق، فهناك رحلة مسائية.
وفي رحلة أخرى حددت في الثامنة صباحاً. فكنت في صالة المطار الواحدة، فإذا العسكري وبجواره كلب جائع، يسألني: ما جاء بك الآن؟ قلت له: هناك رحلة استثنائية الثالثة منتصف الليل -طبعاً كذبت- وظللت أجوب الصالة ذهاباً وإياباً وبجواري الكلب والعسكري الذي ظل يخترع خيالاً بعد خيال، يحدثني عن بدايته عكفياً مع الإمام البدر، ثم فتحه لمغاليق حصار صنعاء.. فقلت دعوة المرحومة أمي التي رزقني الله في هذا الليل إليهم من يؤانسني استجابة لها!
عادتي أقاطع أصدقائي. صديقي عندما يعدني بالمجيء غداً، ويأتي بعد سنة قمرية، لا ليعتذر، ولكن ليحدثني بأن الله تعالى خلق السماء والأرض في 6 أيام، فلم العجلة؟! فالدنيا لم تطر بعد، وأذكر للقارئ الكريم طبيعة الأستاذ المرحوم رياض السنباطي، الملحن والمطرب المعروف، فلقد كان قلقاً زيادة عن اللزوم وغير اللزوم، وذات مرة عزم السيدة أم كلثوم على سهرة في منزله، وحينها ذهبت لتجيب تلفون الأستاذ محمد عبدالوهاب الذي سألها عن أين تذهب هذا المساء، وأخبرته أنها مدعوة لسهرة عند الأستاذ رياض، فقال لها خلاص سأمر عليك ونذهب معاً، فوصلا إلى رياض بعد نصف ساعة على الموعد، فرن الجرس، وإذا برياض يراهما من عدسة الباب ليقول إنتو مين؟! فتجيب السيدة أم كلثوم أنا وعبدالوهاب، افتح يا رياض، فقال لها رياض: الأستاذ رياض كان هنا قبل نصف ساعة. ولم يعودا بخفي حنين. وقد يكون طبع المصريين البرود، ففي جامعة عين شمس طلبت إلى أستاذي المشرف على أطروحتي للدكتوراه- حدد لي الساعة فتأخر ساعتين، وطلبت قهوة، فانتظرت 3 ساعات، فدخلنا معاً، وإذا بالطلاب كان على رؤوسهم الفوضى، ففتح الأستاذ الدكتور كتابه فلم أسمع ما قاله من الضجة والأصوات المرفوعة، وبعد نصف ساعة لتبدأ محاضرة الدراسات العليا التي استمرت نصف ساعة بكل دقة وصدق، فحرَّمت أن أثق بوعوده.
أقول ضيعت ثلاثة أرباع أصدقائي لسبب بسيط مفاده أن الله خلق الخلق في 6 أيام من ناحية، ومن نواح أخرى أبرز هذه النواحي حكمة مشهورة هي حكمة اخترعتها، وهي "لا تؤجل عمل اليوم إلى اليوم"، وأنا مريض بالقلق أعاني من هذه الحكمة القاتلة بعبارة ثانية: أنا طفل، فحين يعدني أحدهم بأنه سيعطيني طائرة أو قطاراً أو سيارة رولزريس، أصدقه، ومزعج هو وكاذب وأرخص من ذبابة لم يف بالوعد. ودعاؤكم لي بالشفاء العاجل.

أترك تعليقاً

التعليقات