التأخير الجذري
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
مثلا: كان النظام السابق، لا سامحه الله، يقوم بين فترة وأخرى بإجراء بعض التغييرات في السلطة القضائية، هذا التغيير شبيه بلعبة الشطرنج، ففاسد ممتاز يحول من ذمار إلى تعز، وخونجي يحول من تعز إلى وصاب، وصاحب مغرب عنس يحول من المحويت إلى الحديدة...!
مثلاً: ومن يعمل في صحيفة «الجمهورية»، سواءً كان صحفياً أو عامل طباعة أو حارساً في البوابة أو كان «مخبراً»، يعلم أن كثيراً من القضاة أصحاب السيارات ينامون في سياراتهم أمام الصحيفة يرقبون صدور الصحيفة، ليعرفوا أسماءهم التي أكد لهم أصحاب الرشوة أو المحسوبية أو النظام أنها ستنشر مع إعلان التغيير القادم، والذي ليس له صلة بالسلطة أو المحسوبية له علاقة بالرشوة، ولا حاجة ضرورية تستدعي قول كثيرين من القضاة أو «المقضي عليهم» إن المنصب القضائي كان يباع ويشترى كما هو الحال في الخارجية والداخلية والضرائب والجمارك، أو أي محل «دسم» أو حتى جدب، تطبيقاً للمثل اليمني «المرة الحنكة تحوك برجل حمار»، وهو واقع جد سيئ.
يريد السيد القائد الحوثي تغيير القائد الذي لم تفته معرفة أن للجنة سمو الأمير سلطان عنده دوراً أساساً في تغيير وتعديل المناصب في الجارة «حوش» المملكة الشقيقة، وأعني اليمن «المشقوق»، إذ نحتاج إلى جهد الوطنيين الذين كانوا قريبين من السَلطة (بفتح السين المهملة وضمها) أن يتقدموا بشهاداتهم للذمة والتاريخ. ولسنا نغيب عن مغزى هدايا السعوديين التي كانت متنوعة بين سيارات وبنادق ومسدسات ذهبية وبطاقات عضوية اللجنة الخاصة التي تماثل بطاقات بنوك ائتمانية عليا شديدة كثيرة الحقول الرقمية، ولكل ثمنه وقيمته، وغداً تكتمل الفكرة!

من وجهة نظري -وأعتذر للسيد السند- أن إعلان «التغيير الجذري» كان -ومن وجهة نظري- أشبه ما يكون بالمقامرة؛ نظراً للموروث المركوم من سلبيات العصور، عصور ما قبل الثورة، أو -إن صح التعبير- عصور ما قبل الثورات والجمهوريات. فلقد تركت هذه الثورات والجمهوريات والملكيات مفهوماً قبيحاً وسيئاً للوظيفة العامة، يتلخص في اغتنام وسرقة الشعب والدولة على السواء، ليصل الموظف إلى ثراء فاحش وسريع في أقصر مدة.
أقول إن السيد يواجه الآن مشكلين رئيسين وبارزين:
الأول: المحسوبية، بأشكالها القبلية والطائفية... ثم العادات والتقاليد المرتبطة بالوظيفة العامة ومفهومها لدى كثير من الناس.
الثاني: موضوع الاختيار بحسب شروط السيد ومواصفاته لكل من الوظيفة والموظف. أما شروط الوظيفة فهي رؤية السيد لمفهوم المؤسسة هذه أو تلك. وأما الموظف فبحسب شروط السيد لا يكاد يوجد؛ فهذا الموظف بشروط السيد ملاك يمشي على الأرض؛ غير أن بلادنا -ولله الحمد والشكر- تخلصت من أكبر تحالف يقف أمام اختيار الموظف.
ولعل أبرز العقبات التي كانت تحول دون الأداء الجيد لهذه الحكومة أو تلك هو غياب السفارة السعودية، أو على الأصح غياب التدخل السعودي، الذي كان يتدخل في الشأن اليمني حتى ليكاد يختار من يشغل هذه الوزارة أو تلك، بل إنه يرفض بعض الأسماء ويعترض عليها (راجع مذكرات الأستاذ محسن أحمد العيني: «الرمال المتحركة»، التي تقف بنا على حقيقة تاريخية من واقع المسؤولية). كيف كان القرار اليمني مرهوناً لدى المملكة «الشقيقة»، التي لما تزل مصرة حرباً أو سلماً على أن اليمن مجرد «حوش» لـ»قصر اليمامة» الباذخ؟!

أترك تعليقاً

التعليقات