أزمة أمريكا المركبة
 

د. مهيوب الحسام

د. مهيوب الحسام / لا ميديا -
إن الأزمة التي تعيشها أمريكا اليوم ليست أزمة طارئة كان يمكن تلافيها أو يمكن معالجتها والخروج منها بالحد الأدنى من الخسائر أو بآثار يمكن التعافي منها والعودة للحالة الطبيعية، لأن أمريكا لم تكن يوماً دولة طبيعية، من حيث النشأة والسلوك والممارسات، وما تعيشه اليوم من أزمة داخلية هي مركبة، جزء منها ناتج عن ارتدادات أزماتها مع الخارج مع أزمة بنيوية عميقة في النشأة والتكوين، فقد جيء بالشعب الأمريكي لفيفاً من معظم دول أوروبا الغربية، وسكانها ديموغرافيا غازية محتلة لجغرافيا أمريكا الشمالية، احتلالا قام على إبادة جماعية لسكانها الأصليين من الهنود الحمر وما تلاها من عقدة اللون والعرق وأزمة عدم التجانس وعدم العدل والمساواة.
تزداد هذه الأزمة مع مرور الزمن وزيادة إيغال أمريكا وإداراتها المتعاقبة في الإجرام، ومعها يظهر التناقض الأمريكي أمام شعوب العالم والشعب الأمريكي نفسه، بين ما تدعيه زيفاً من قيم، وما تمارسه واقعا من جرائم إبادة ضد الإنسانية بحق كثير من شعوب العالم، وما يجري من جرائم إبادة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من جرائم وبشراكة أمريكية كاملة ليس سوى جزء بسيط من سلوكها وممارساتها الإجرامية. وقد كانت أمريكا محظوظة كثيرا حين نجحت أكثر من غيرها بالتغطية على جرائمها وإخفاء وتزييف حقيقتها وتسويق شرورها وجرائمها واحتلالها للدول وقتل الشعوب ونهب ثرواتها، بأنها عبارة عن قيم وحرية وديمقراطية وحقوق إنسان وتحضر وتقدم ورقي... إلخ.
وما تعيشه أمريكا اليوم هو بالفعل ارتدادات وتأثيرات انكشافها المزدوج خارجيا وداخليا ليشكل لها أزمة مركبة خارجية على مستوى شعوب ودول العالم، وداخلية بدأت من الجامعات الأمريكية وطلابها ومنها نحو الجامعات الأوروبية، لتدخل أمريكا والإدارة الأمريكية في مأزق حقيقي له بُعدان: الأول: انكشاف زيف القيم الأمريكية داخليا عندما اتخذت قرار الاصطدام بالطلاب؛ وقمع ومنع أبسط الحقوق والحريات وهي حرية التعبير ثانيا.
ما يترتب على هذا الصدام والقمع من آثار على هذا الجيل الشاب الفتي من طلاب الجامعات الذي لم يتلوث والوعي الذي سيتشكل ويتطور لدى هذا الجيل خارج المنظومات الإعلامية التقليدية الماسوصهيونية وما سيكون له من نتائج عكسية على سياسات ومؤسسات الدولة العميقة وشركات رأس المال الصناعية.
لذا نقول لم تعد إمبراطوريات الإعلام الأمريكية التقليدية المعروفة بالتحكم بوسائل الإعلام التقليدية المرئية والمقروءة والمسموعة قادرة على التحكم في صياغة الخبر وبناء الوعي وصناعة الرأي العام واللعب بالعقول من خلال تزييف الحقائق ونشر الشائعات وتشكيل الصورة بعد أن تم تطوير وسائل إعلام أخرى "تواصل الاجتماعي" أسرع وصولا وأسهل استخداما من قبل الأفراد بها يتحكمون ويصلون من خلالها إلى الحقيقة بعدما كانت وسائل الإعلام التقليدية تتحكم بالأفراد والشعوب وتقود الشعب الأمريكي والغربي عموما كالقطيع وتؤثر في أغلب شعوب العالم التي تصل إليها، أما اليوم فإن العالم يتغير وأمريكا مقدمة على التغيير من داخلها أو التفكك مرغمة.

أترك تعليقاً

التعليقات