رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -

الأراضي اليمنية المحتلة من قبل تحالف العدوان الأمريكي ستؤول لسيطرة داعش في نهاية المطاف، فهذا ما تريده واشنطن للاستدارة من مستنقع هزائم تحالفها دون تنازلات من جهة، ومن جهة موازية لاستلام مسرح الاشتباك بالذريعة القديمة (مكافحة الإرهاب)، لاسيما المسرح المتاخم لبحري العرب والأحمر، حيث تعتقد واشنطن أن ذلك سيتيح لها تخويض هزائم التحالف ولزوميات ستوكهولم لجهة مقاربة دولية تتحكم هي في زمام صياغتها كأمر واقع بما يضع الشرفة المائية الأهم المؤلفة من عناق البحرين اليمنيين عند مضيق باب المندب والحديدة، تحت سطوتها بغطاء أممي قسري لا مجال لإسهام صيني إيراني في نسج وتفصيل خيوطه بالضد لشهوة الاستحواذ البحري الأمريكي.
على أن معطيات الاشتباك عقب استراتيجية الرد والردع ذات الضربات المتلاحقة والمتصاعدة بفارق زمني ضئيل بين ضربة وأخرى، تعيد للبر اليمني الوطني اعتباره في أية مقاربة دولية تدفع صوبها أمريكا، وأكثر من ذلك تضع زمام أية مقاربة محتملة رهينة لقبضة صنعاء بصورة تفوق وزنها الفاعل في اتفاق ستوكهولم، الأمر الذي يجعل من السعي الأمريكي الحثيث لخلق متغيرات اشتباك تتيح لواشنطن الاستحواذ الانفرادي في البحر الأحمر، ضرباً من القفز على واقع المعادلة الجديدة على الأرض، حيث تتفاقم مآزق المملكة والإمارات بفعل تصاعد استراتيجية الرد والردع اليمنية، وتوشك أمريكا ـ ومعها العالم - أن تخسر منابع الوقود كلياً عوضاً عن أن تبسط الهيمنة على ممراته الملاحية الدولية قبالة البحرين الأحمر والعربي.
تبعاً لذلك تدفع واشنطن باتجاه دور تسليم في واجهة المشهد في الأراضي اليمنية المحتلة تؤول إليه مقاليد الفعل لذريعة أخرى هي مكافحة الإرهاب وتنظيماته بدلاً من "إعادة الشرعية الآفلة والنافقة"، وهذا يفسر بصورة أدق احتدام التصفيات بين الانتقالي العميل وشرعية هادي النافق جنوباً في ما يشبه أزوف إعلان دولة الجنوب المتوهمة بالنسبة لشارع شعبي فقد ثقته في الانتقالي، غير أن دور التسليم التناحري هذا يتعين أن يشهد حسماً لاحقاً لصالح ما يسمى داعش، لا الانتقالي، ليتسنى لأمريكا استلام المسرح على نحو مباشر وطي ملف هزائم التحالف الخائب، كما وتثمين ما تحت يده من جغرافيا محتلة وغير مثمنة لجهة غاياته الاستعمارية بعد أكثر من 4 أعوام من العدوان.
أعلنت وسائل إعلام المملكة، نقلاً عن ناطق التحالف، قبل أسبوع، خبراً مفبركاً في هذا السياق، مفاده "القبض على أمير داعش في اليمن"، في الوقت الذي كان الشارع السعودي والخليجي عموماً يحبس الأنفاس بانتظار رد حاسم ينهي هجمات صنعاء الجوصاروخية القاصمة على "جيزان وأبها". وفي سياق نظير أعلنت واشنطن إغارة طائرات درون تابعة لها على البيضاء، ومقتل 5 عناصر للقاعدة في العملية، بحسب الرواية الأمريكية، في توجه واضح لتنشيط الذريعة الخاملة السالفة (الحرب على الإرهاب) بعد 5 أعوام من تنحيتها لجهة ذريعة "إعادة الشرعية" المزعومة.
يمكن الآن فهم سلسلة الاغتيالات والتنحيات التي طالت جماعة إخوان التحالف "الإصلاح" في الجنوب المحتل فقد كان ذلك محض تنضيج وتعبئة للجماعة صوب دور يتعين أن تلعبه في القادم القريب تحت راية "دولة الخلافة" كقوام عسكري كبير في مقابل بقية المجاميع العسكرية المؤلفة حديثاً على يد التحالف كـ"النخب الجهوية ومليشيات ما يسمى الشرعية والجيش الوطني" حيث تعد بنية الإخوان هي الأكثر دربة وخبرة للنهوض بما تقتضيه تحولات المصلحة الأمريكية من أدوار على غرار ما حدث في سوريا التي انبثق فيها تنظيم داعش من رحم لافتة ما يسمى الجيش الحر ذا القوام الإخواني الكاسح، بتوقيت حاجة أمريكا لتسمية كيان بديل للجمهورية العربية السورية يتيح لها انتزاع قرار دولي بالإجماع للتدخل العسكري بحلف متعدد الجنسيات في شرق وشمال شرق سوريا.
في هذا السياق يبدو الجنرال العميل علي الأحمر هو رهان واشنطن لإعادة إنتاج لافتة ذرائعية في الجنوب المحتل، تحت مسمى داعش، وذلك لكونه رجل الجناح العسكري الإخواني الأول ومايسترو "الجماعات الجهادية" العابرة للحدود منذ السبعينيات.
لن يكون الأحمر خليفة للنافق هادي كما يجري الترويج وإنما هو أقرب لأن يكون خليفة ثانٍ في اليمن لأبو بكر البغدادي الذي انمحت دولة خرافته في العراق والشام.
من المؤكد أن الاستدارة لتفعيل الذرائع القديمة هي أمارة هزيمة وقهقرى لمشروع العدوان بالعموم، لكن من المفيد إثراء هذه الخطوة الأمريكية التي لا تفتقر لمؤشرات عملية بالقراءة المبكرة، لاسيما لجهة ما ستسحبه من تداعيات على الساحل الغربي والحديدة، وإمكانية تمريرها هناك لصالح ما ترمي واشنطن إليه من تحقيق سيطرة انفرادية حاكمة على الممر الملاحي الأهم، وتخويض قواعد الاشتباك المنظمة باتفاق ستوكهولم بما يستنقذ دول التحالف من مآزقها... وامتداداً لهذه الاستدارة يمكن قراءة ما يرشح من تسريبات عن انسحابات عسكرية جزئية إماراتية من اليمن لإعادة التموضع في بلادها المهددة بهجوم إيراني، بحسب الزعم..
إن مثلث الشرفة المائية بين الأحمر والعربي، هي وجهة التركيز الوحيدة في الراهن بالنسبة لأمريكا، ومن المتوقع أن يجري التحشيد صوبها، لا الانسحاب منها، لكن وفق قواعد اشتباك تنتظمها الفلسفة الأمريكية لما يسمى الحرب على الإرهاب. ومن المستبعد في هذا السياق أن يجري الدفع باتجاه سيناريو افتراضي لحوار شطري جنوبي - شمالي يعمل غريفيتث عليه منذ نصف عام تقريباً، إذ إن ما بعد استراتيجية الضربات المتلاحقة الراهنة ليس مواتياً لهذا السيناريو كذي قبل، والأفق المنظور زمنياً ينطوي على متغيرات عاصفة كنتاج لهذه الاستراتيجية.. متغيرات واعدة بقلب حسابات العدو رأساً على عقب، بتوقيت لا يمكن معه تبديد الوقت في محاولات استدارة ساذجة لتعديل موازين السقوط الحتمي للمشروع الأمريكي وأدواته.

أترك تعليقاً

التعليقات