خريف العائلات الملكية
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

الأسبوع الفائت وعبر الإسهام بقوة عسكرية رمزية، انخرطت الكويت رسمياً في أتون مثلث الجحيم (نجران، جيزان، وعسير) الذي أشعله المقاتل اليمني في الأطراف الجنوبية للعباءة الملكية السعودية.
فعلت البحرين وقطر الشيء نفسه، فدفعتا بقوة رمزية قبل أشهر من قرار الكويت الانخراط في الاشتباك الدائر هناك، وفي كل مرة كان يرد خبر هذا المدد البشري المجهري بالصيغة ذاتها في وسائل إعلام العدوان (إرسال قوات... للدفاع عن الحدود).
باستثناء (عمان) فإن طيف الإجماع الخليجي حول حتمية مشاطرة (العائلة السعودية) مأزقها على التخوم الجنوبية، بات ناجزاً بصورة تكشف مدى نجاح المقاتل اليمني في جعل طيف الكيانات النفطية الطارئة تقف على صفيح ساخن واحد، وتترنَّح كطابور من أحجار الدومينو لا تشده جذور ولا أوتاد.
(التهديد المحتمل) الذي تذرعت به المملكة لتباشر عدوانها على اليمن، بات (تهديداً قطعياً)، تماماً كما استشرفه سماحة السيد حسن نصر الله في الأسابيع الأولى للعدوان السعودي الأمريكي، ولا جناح على الضحية إذا ألحق دفاعها عن نفسها أفدح الضرر بالجلاد.
ضعوا جانباً الخلافات الحدودية (السعودية الكويتية، السعودية القطرية، السعودية الإماراتية)، فالكيانات الناجمة عن الطفرة النفطية معنية اليوم، لا بالحدود البينية الناظمة لوظائفها الكولونيالية المرسومة مطلع القرن، وإنما بحدود الاشتباك العميقة بين وجودها الكلي الطارئ من جهة، والوجود العربي الأصيل والمديد من جهة مقابلة. وعليه فإن مأزق السعودية في مثلث الجحيم اليمني (نجران، جيزان، وعسير) يغدو مأزقاً جمعياً خليجياً، لا مأزقاً سعودياً يخص الرياض وحدها، فعلى محك هذا التماس المشتعل يتقرر مصير كلا الوجودين الأصيل والطارئ.
أجل وددنا لو أن دولة الكويت نأت بنفسها عن بورصة دم سعودية لا مصلحة ظاهرة لها من المضاربة فيها، في مقابل وضوح مردودها السلبي عليها كدولة تأذت وتتأذى كثيراً من الغطرسة السعودية.
ليس آخر تجليات تلك الغطرسة، تهديد ولي العهد السعودي المهفوف محمد بن سلمان، باجتياح الكويت، الأسبوع الفائت، والذي تلاه قرار حكومتها الانخراط رسمياً في العمليات القتالية الدائرة على حدود المملكة مع اليمن.
إلى ذلك، فإن القرصنة السعودية لنفط (الخفجي الكويتية) لا يزال مستمراً، غير أن أولوية العائلات المالكة ومن بينها (آل الصباح) تبقى مؤازرة (الأخ الأكبر السعودي) إزاء خطر تفكك وشيك سيتداعى له البنيان الخليجي كافة متصدعاً في حال ثبَّت المقاتل اليمني أقدامه على الحدود الطبيعية السليبة لليمن.
من زاوية أخرى، فإن العصا الأمريكية الساخطة توحِّد رؤوس العائلات المالكة الخليجية في خندق مصيري واحد: على هذه الكيانات أن تكبح جماح التغيير في اليمن، أو أن تخضع هي ـ فيما لو فشلت ـ لعملية تغيير باهظة على الطريقة الأمريكية، وضمن مبدأ إعادة التكيُّف في مواجهة متغيرات الأمر الواقع.
إمدادات رمزية كتلك لن تقلب موازين القوى على الميدان، فبعد نحو عام من توظيف أفتك العتاد الحربي وأكثره حداثة، وتحشيد المرتزقة وعصابات المافيا المجلوبين من كل أصقاع العالم، في العدوان على اليمن، يبدو الإسهام العسكري الكويتي أشبه بنملة تهب لنجدة ثور إسباني أثخنته السكاكين، في مشهد أقرب إلى الكوميديا منه إلى الواقع.
مستوى الردع المطلوب تحقُّقه تحقَّق مبدئياً بالنسبة للجانب اليمني في مواجهة تحالف عدوان كوني لا يعوزه العتاد ولا المال ولا الغطاء السياسي الدولي.
يتقدم مقاتلو الجيش واللجان في نطاق سيادي سعودي مكشوف، يشتبكون، يسيطرون، ويواصلون التوغل برياً بقوة قوامها ثمانية آلاف فرد على حدود تمتد مئات الكليومترات وبعمق أكثر من ثلاثين كيلومتراً، وفي الأثناء يخفق العدو في إحراز تقدم نوعي بري على مختلف الجبهات، كما يخفق طيرانه في تدمير مراكز القيادة والسيطرة للجيش واللجان ومرابض الصواريخ التي تضرب عمقه البعيد بدقة وبالقوة النارية المفتوحة على النوع والمدى والكم المطلوب لتحقيق إصابة مباشرة وفي التوقيت الملائم.
تثبيت السيطرة وصد الزحوفات المعادية داخلياً على جبهات مأرب ـ الجوف شرقاً، والبيضاء ـ شبوة في الوسط، وتعز جنوباً، والتوغل أكثر فأكثر في النقاط المفصلية للعمق السعودي وصولاً إلى تمزيق بنيته العسكرية والسيطرة الكاملة على مثلث (ن، ج، ع) السليب؛ خطوات تمثل سقف الحاجة لتحقيق توازن الردع المرحلي الذي تتمظهر بعض تداعياته اليوم في ملعب تحالف العدوان على هيئة سعار سعودي لتفريخ الأحلاف تحت ضغط الشعور المفرط بالفزع إزاء مؤشرات التخلي الدولي عنه وتركه فريسة لتبعات تبعيته.
إلى ذلك، فإن شروع الرياض، مع بداية 2016، في تنفيذ سياسة الإصلاحات السعرية ورفع الدعم عن المشتقات النفطية جزئياً،علاوة على حماقة إعدام الشيخ نمر النمر, كل ذلك يعني بالقطع شروع (واشنطن) في سياسة إنتاج (أنظمة خليجية معدلة ثورياً) عبر فض الاشتباك بين سلطات عائلية أبوية مالكة ورعايا مملوكين، ليحل محله سلطات ملكية صورية بلا صلاحيات من جهة، ودافعو ضرائب من جهة مقابلة يضغطون باتجاه المشاركة في الحكم، وفق المقاربة الأمريكية لمآلات المشهد.
خزانات الاحتقان الشعبي والعقائدي لدى مجتمعات شرق ووسط المملكة و(نجد والحجاز) عموماً آن أوان انفجارها بالنظر لعوامل عدة أبرزها إقدام النظام السعودي على إعدام الشيخ ذي الشعبية الواسعة التي تتعدى المملكة إلى الإقليم وهي حماقة كان بنو سعود في غنى عنها ,إلا أن يد المخرج الأمريكي تريد ذلك! 
في غضون هذا المسار القسري السعودي الخليجي سيوكل إلى (داعش) مهمة تخويض المشهد الاجتماعي وتعميق احتراباته البينية كضمانة لتلافي بروز قوى وطنية غير مرغوب فيها أمريكياً، ولصدِّ سيل المتغيرات الثورية التي تقودها (حركة أنصار الله) من الجهة الجنوبية لمملكة حافلة بالقهر ونافقة وظيفياً.
أما القشة التي تعدها بصمت أصابع المخرج الأمريكي لتقصم بها ظهر البعير النافق، فهي: تنصيب ولي العهد المهفوف محمد بن سلمان ملكاً على أنقاض أبيه.
يفعل اليمنيون اليوم ما ينبغي عليهم فعله للخلاص من حظائر الوكيل السعودي الخليجي والأصيل الأمريكي، وفي المقابل فإن على شعوب الجزيرة والخليج أن يفعلوا شيئاً ليلتقي المسحوقون والمستضعفون على درب نضالي واحد يفضي لمستقبل لائق بمنأى عن المآلات الأمريكية المرسومة سلفاً لشعوب خانعة، وعوضاً عن الخروج من قبضة الزهايمر إلى قبضة البغدادي.
ذلك رهاننا (الاستراتيجي) بعيد المدى.

أترك تعليقاً

التعليقات