رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -

نشرت ‏"الوطن" السعودية أمس قبل الأول استطلاعاً عن "يهود نجران"، وأمس تحدث بيان لـ"داعش-قيفة البيضاء" عن عملية ضد الحوثيين"، متعهداً فيه بـ"حماية الحد" السعودي.
جنوب المملكة يفلت من قبضة بني سعود، والسيناريو السعودي القائم في الكواليس طبقاً لمؤشرات منظورة، هو تهويده ودعشنته لكبح جماح رجال الله عبثاً.
نجران وسبأ هما مدينتان عكف علماء الإنثروبولوجيا والآثاريون والمؤرخون الاستشراقيون الغربيون في نبش ترابهما بحثاً عن تأصيل روحي ومادي استعماري، وبصورة مركزة نهاية ق 19م ومطلع ق 20م.
استدعاء مصطلح "أقيال" في أدبيات العدوان الكوني الراهن على اليمن، هو استدعاء ممنهج لرواية استعمارية صهيونية تربط تاريخ وحضارات اليمن بـ"اليهودية"، وليس عملاً اعتباطياً أطلقه ناشطون على الـ"سوشيال ميديا" كنزوع شخصي مقطوع الصلة بجوهر مشروع العدوان الإمبريالي الصهيوني.
تداوم قناة ما يسمى "الشرعية " التابعة لإعلام العدوان، على بث فلاش يمجد واقعة إحراق نصارى نجران المعروفة في القرآن الكريم بـ"أصحاب الأخدود"، ويتعمد فلاش القناة إيراد الواقعة كمفخرة منسوبة لـ"ذو نواس الحميري" الذي تقول الرواية الاستشراقية إنه اعتنق اليهودية.
وهكذا فإن مهندسي "دلالة مصطلح أقيال" يضعون حضارات اليمن القديمة كنقيض لرسالة الإسلام السماوية الواحدة "في تمظهرها المسيحي والمحمدي"، ويعقدون صلة سببية بين اندثار تلك الحضارات ودخول اليمن في الإسلام، باعتبار هذا الأخير ليس إلا "احتلالاً هاشمياً عدنانياً لأرض قحطان" كما يرد في كتابات أبواق مطابخ العدوان من مرتزقة محليين على غرار "الغباري" كمثال.
تفنيد سيد الثورة للبس التأويلي السائد الذي يعتقد أصحابه بأن "اليهودية ديانة" كان ضربة قرآنية منهجية منطقية أصابت صميم المشروع الصهيواستعماري المنتج لثقافة التهويد.
برهن سيد الثورة في إحدى محاضرات رمضان الفائت، بمنطق قرآني علمي، على أن اليهودية لم تكن في كل سياقات ورودها كمفردة، إلا مرادفاً صريحاً ومباشراً للانحراف عن الإسلام، الذي هو الرسالة السماوية الواحدة والوحيدة في أطوارها "الموسوية، المسيحية، المحمدية" وأورد السيد شواهد قرآنية كثيرة تسند ذلك، فنبي الله سليمان عليه السلام يختم خطابه الكريم لملكة سبأ بـ:"ألا تعتوا علي وائتوني مسلمين"، وحين تستجيب ملكة سبأ لدعوته تعبر بالقول: "أسلمت مع سليمان لله رب العالمين".
تسويق اليهودية كديانة في سيناريو مطابخ العدوان، ومن ثم ربطها بحضارات اليمن القديمة كمعتقد، يستهدف بوضوح استيلاد وشائج تطبيعية مسوغة بين الكيان الصهيوني والبلدان العربية والإسلامية في الراهن، وتحديداً اليمن، وهو ذاته الهدف الذي أقر به صراحةً المؤرخ البريطاني ويندل فيليبس، في مقدمة كتابه "كنوز مدينة بلقيس"، حيث يقول على سبيل النقل لا التقميش النصي: "إذا تعارضت الموضوعية العلمية مع مصلحة بلدي فسأنحاز لمصلحة بلدي". كان ويندل يعكف في عشرينيات القرن الفائت على نبش المنطقة الممتدة من بيحان شبوة إلى مأرب، بحثاً عن مستند مادي يرد فيه اسم "بلقيس"، وقد أمكنه العمل بحرية في بيحان الواقعة حينها تحت الاحتلال البريطاني وبرعاية منه، لكنه طرد من مأرب التي دخلها خلسة في البدء، ثم طرد مجدداً لنشاطه المشبوه بعد أن كان قد استخرج بشق الأنفس تصريحاً من سلطة الإمام يحيى، ولم يكن قد وصل لمبتغاه الرئيس من نشاطه البحثي الاستشراقي حيث طوّقه الإمام بعيون رصدت كل تحركاته في مأرب الأمر الذي يدل على وعي مبكر للسلطة حينها بمغازي الاستشراقيين.
القضية إذن هي أبعد بكثير من مجرد دعوة لإحياء حضارات الأجداد في أدبيات مرتزقة وعملاء العدوان تحت عنوان "الأقيال"، وأبعد بكثير من كونها دعوة للتسامح والتعايش مع "ديانة يهودية" هي بالأصل تأصيل استعماري للصهيونية يَغُل ماضي المنطقة وحـاضــــرهــا بكيان مغتصب للتاريخ والتراب هو أشبه بورم سرطاني مستنبت في نسيج الشرق العربي والإسلامي لجهة غايات المشروع الإمبريالي الغربي برأسيه البريطاني الحديث والأمريكي المعاصر.
غير بعيد من ذلك ما نشرته "الوطن" السعودية وما ورد في "بيان داعش"، فالصهيونية العبرية اليهودية والعربية الوهابية الإسلاموية هما رافعتا المشروع الاستعماري في الشرق منذ صفر نشأتهما.
كل ما في الأمر أن ما خفي بالأمس لعيان العامة من مؤامرات يتمظهر اليوم بوضوح ووقاحة تحت سطوع وأنوار انبعاثة الروح اليمانية بهويتها الحضارية الإيمانية المحمدية الأصيلة والمتسقة مع حقائق الصراع المديد الموضوعية والذاتية المراد تحريفها لجهة تخليق كيان مسخ يدمر نفسه بالتآكل الداخلي بما يجعل من الكيانات الاستعمارية الطارئة وجوداً بديلاً بلا منافس نقيض يعكر انسياب مصالح مركز الهيمنة الإمبريالية.

أترك تعليقاً

التعليقات