(باب المندب) ليس (طابا)
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

يمثل مضيق باب المندب الخاصرة الحساسة لأبرز طرق الملاحة البحرية القارية الواصلة بين المحيط الهندي والبحر العربي جنوب شرق، والبحر الأحمر غرباً، وهو الأبرز لأن حوالي 50% من الوقود الذي يغذي توربينات ومكائن ومصابيح العالم، تتهادى ناقلاته فوق زرقة مياه هذا المضيق، عبوراً إلى أقاصي شمال الكرة الأرضية وغربها، على مدار الساعة.
حين شق صاروخ (C802) الصيني الأعمى، فضاء البحر الأحمر المظلم، ليلة السابع من تشرين 2015، ليفترس البارجة الحربية الأولى لتحالف العدوان السعودي الأمريكي، قبالة باب المندب؛ افترس معه، بقسوة، رهان التحالف في تجيير الأهمية القصوى التي يتمتع بها المضيق دولياً، لصالح إثارة مخاوف العالم من خطورة بقاء هذا الشريان الملاحي تحت رحمة من يصفهم بـ(مليشيات انقلابية لا تعبأ بمعاهدات ولا مواثيق)، مستهدفاً بذلك توفير أوسع غطاء تخويل دولي يشرعن ويبارك بسط تحالف العدوان سيطرته على باب المندب وأرخبيلات البحر الأحمر اليمنية، بوصفه الحارس الأمين للمصالح الكونية.
اتكأ التحالف على فرضية عجز الدولة اليمنية الحربي بحراً، وعلى عجز القيادة الثورية سياسياً في اتخاذ قرار يجلب عليها غضباً كونياً، ما سيجعلها تجبن إزاء خوض مقامرة الاشتباك البحري، وبذلك تسقط التخوم والجزر والمضيق والمياه الإقليمية فريسة سهلة وغير مكلفة بين أنياب القوة البحرية الضاربة للتحالف، وفق حساباته، وعلى نحو مماثل لوقائع احتلال عدن، من حيث زمن الاشتباك الوجيز وطبيعة العتاد العسكري المستخدم.
لقد انقلب السحر على الساحر ـ بطبيعة الحال ـ فعوضاً عن أن ينجح التحالف في إثارة مخاوف العالم ضد (الانقلابيين)، ولصالحه، أثار قلق العالم إزاء أن مياه المضيق توشك أن تغدو مسرحاً لاشتباك ناري بمدى زمني غير معلوم، يصيب في مقتل، انسيابية الملاحة الدولية في خاصرتها الأكثر حساسية وهشاشة، لا سيما حين تأكد للعالم قدرة وجرأة القيادة الثورية على المبادرة والرد النوعي الذي افترس بضع بارجات حربية للعدوان في غضون أسابيع، ما أفضى لانحسار قدرة التحالف عسكرياً وسياسياً على الزج بثقلها الحربي بحراً تهيُّباً للكلفة المترتبة على مقامرة من هذا القبيل.قبل تدمير البارجة الحربية الأولى لتحالف العدوان السعودي الأمريكي، كانت اللجنة الثورية العليا قد وجهت خطاباً رسمياً إلى الأمم المتحدة، حذرت فيه من تبعات الصمت والتواطؤ الأممي حيال القرصنة الفاضحة للعدوان في المياه الإقليمية لليمن، والتي تهدد بمواجهة بحرية غير محمودة العواقب، لن يتردد اليمنيون في خوضها دفاعاً عن سيادتهم، ووفقاً للمواثيق الدولية والقوانين.
إن الإدارة الراشدة والمتئدة لدفة مواجهة العدوان، وفق مبدأ (الصبر الاستراتيجي)، من جانب القيادة الثورية، في مقابل صبيانية أداء التحالف على الجانب المقابل، هما سمتان نقيضتان باتتا اليوم على درجة من الجلاء بحيث يمكن للعالم أن يقرر بيسر من هو الجدير ـ عن استحقاق ـ بثقة (المجتمع الدولي)، والأمين على المصالح المشروعة لشعوب وبلدان العالم؛ من جهة، وغير الجدير ولا الأمين من جهة مقابلة، بمنأى عن سياسة النفاق والتواطؤ والانحياز السائدة اليوم دولياً، والناظمة لمواقف وتقييمات المنظمة الأممية، في مقاربتها لوقائع العدوان الكوني على اليمن.
لقد عاود تحالف العدوان قرصنته البحرية بقوة تحت وطأة إخفاقاته، طمعاً في تعديل كفة المواجهة العسكرية عبر سلخ محافظات الساحل الغربي والجنوبي الغربي الوادعة في كنف الجيش اليمني واللجان الشعبية، ففوجئ مجدداً بجرأة وقسوة المبادرة والرد، الذي ألحق السفينة الحربية الإماراتية (سويفت) بأخواتها التسع السابقات المركونات في مجمعات الخردة العسكرية، كقطع نافقة..
وعبثاً يحاول تحالف العدوان استثمار خيبته إثر الصفعة لتأليب العالم في صفه، ليس فقط لأن معظم أطراف المنظومة الدولية هي في صفه أصلاً، بل لأن التحالف قد استنفد سقف الدعم الدولي عسكرياً وسياسياً وحقوقياً، وأخفق في تعديل موازين القوى ميدانياً لصالحه، ولم يعد في الإمكان أحسن مما كان..
شكراً قوتنا الصاروخية البطلة التي تجترح الملاحم والمعجزات، وتبرهن أن ترابنا اليمني ومياهنا ليست (طابا) ولا (الغردقة)، ولن تكون!

أترك تعليقاً

التعليقات