رئيس التحرير - صلاح الدكاك

عن الخبز والـ «بورش» والـ«آيفون11» وطبقة السيطرة الوكيلة
لماذا تصل الكوكاكولا قبل محاليل الإرواء؟ ..تفكير في المحظور

#صلاح_الدكاك / #لا_ميديا -
لدى جغرافيا السيادة الوطنية سوق استهلاك هي من الكثافة البشرية أضعاف ما عليه الوضع  في الجغرافيا المحتلة، كما أنها سوق مقرونة باستقرار أمني لا نظير له، ومحكومة بقيم التعايش بمنأى عن مقاصل الفرز الطائفي والمناطقي...
يمكن البناء على هذه المزايا في مقاربة تحدي حرب العملة والحرب الاقتصادية بالعموم من زاوية ثورية.
لست صاحب دراية في الاقتصاد، لكنني أعتقد أن بالإمكان تدشين المقاربة الثورية لهذا التحدي بدءاً بـ"حظر استيراد الكماليات" التي تغرق السوق...
مع هيمنة مفاهيم العولمة ونمط الاستهلاك الغربي انتفت الحدود الفاصلة بين ما هو أساسي من السلع وما هو كمالي، فباتت كل سلعة أساسية، وأضحت السوق المعولمة تعيد نقض ذاتها سلعياً كل موسم وكل سنة على قاعدة "الموضة والموديل الأحدث" الذي يتعين على المستهلك التعاطي معه لزاماً كـ"سلوك حضري" يجري فرز الشعوب تخلفاً وعصرنة على منوال مواكبة هذا الجديد ذي العمر الموسمي القصير للغاية...
يسري هذا النقض السلعي القهري الدائب على مختلف السلع، من الجورب إلى حقائب اليد والظهر والنظارات إلى الشوكولاه إلى الأثاث المنزلي والمكتبي والتجاري إلى البرمجيات وتطبيقات الفضاء السايبري والهواتف الخلوية والحواسيب المحمولة وتصاميم الأجهزة وملحقاتها من إكسسوارات...
في بلد كاليمن يتعرض لأبشع وأحط عدوان عسكري واقتصادي وثقافي عرفه التاريخ، فإن الحاجة إلى ما يمكن وصفه بـ"ترشيد الاستهلاك" تغدو مَسيسة وملحة للغاية، فالمفاضلة هي بين أن نأكل أو نموت جوعاً، لا بين أن نجري محادثاتنا عبر تلفونات عتيقة أو أرضية وبين أن نتواصل عبر آخر صرعات الـ"آيفون وسامسونج".
تحدي ترشيد الاستهلاك ينبغي أن ينهض به المجتمع كخيار امتناع ذاتي عن نمط هدر واقتناء اعتاد عليه بالتباري والمحاكاة الاجتماعية من جهة، كما ينبغي أن تنهض به الدولة من جهة موازية كخيار اقتصادي للحفاظ على دورة رأسمال داخلية منيعة ودائمة تتيح بناء مداميك اقتصاد منتج يحول مجرى التعويل والاستقطاب المالي إلى الداخل ويعزز العصامية والثقة المجتمعية في إمكانية أن نصبح رقماً وازناً في معادلة الإنتاج والوجود وأن نكون "نحن لا غيرنا".
لماذا لم تفكر سلطات البلد حتى اللحظة في انتهاج مقاربة ثورية تؤسس لـ"اقتصاد حرب" مرحلي كما ولـ"مستقبل نهضوي منشود" استراتيجياً؟!
لا أريد أن أدخل في دوامة الظنون السيئة، لكن المؤكد في الإجابة على هذا التساؤل هو أن طبقة السيطرة الرأسمالية الكمبرادورية الوسيطة لاتزال هي هي ذاتها من ترسم السياسات الاقتصادية، ولم يطرأ جديد على مسار البلد، فالرافعة الاجتماعية الثورية صاحبة المصلحة في طي زمن الوصاية ونقض منظومة مفاهيمه ولزومياته، تتمركز في خنادق المواجهة العسكرية باهظة الكلفة بملحقاتها، مخليةً المسرح الرسمي لحسابات العمل السياسي التوافقي الذي تمثل طبقة السيطرة الكمبرادورية "الوسيط التجاري والسياسي للسوق المعولمة" فيه محور ارتكاز يبقي على المسارات الاقتصادية والمعيشية والخدمية في مجرى قصورها الذاتي القديم والخانع والمكبل بلزوميات وعهود واتفاقات ومفاهيم صناديق الإقراض الدولية. ويتمظهر هذا النكوص جلياً في ركون معادلة الوفاق لـ"برامج المساعدات الإنسانية والمنظمات المستثمرة باسمها" كخيار لا بديل له بالضرورة. كما يتمظهر هذا النكوص في عجز "اللجنة الاقتصادية" عن اجتراح مسار ردود ثورية على تحديات الحرب الاقتصادية والحصار والتجويع، الأمر الذي لجأت معه لإلقاء مهمة الرد كلياً على العاتق العسكري مطلع العام الراهن، رغم أن انتهاج مسار مقاربات وردود اقتصادية موازٍ لهذا الخيار هو أمر لا غنى عنه لتثمين المسار العسكري وبالتعاضد والتكامل معه.
إن طبقة السيطرة الكمبرادورية من تجار ومستثمرين ووكلاء لاتزال تنعم بالمزايا ذاتها، وترفل في بذخ مراكمة المزيد من الأرباح، كأن البلد لم تهب عليه عاصفة عدوان كونية عاتية الهبوب ومستمرة من 5 أعوام. والأسوأ أن هذه الطبقة لا تقتصر على "مجموعات الحياد التجاري الوطني"، فرموز السوق المنخرطون في تحالف العدوان علاوة على وكلاء منتجات دول التحالف لايزالون في صدارة جناة الأرباح المستثمرين في حضيض تعاسة وبؤس غالبية الشعب الناهض بأفدح وأبهظ أغرام وتبعات الحصار والعدوان مجاهداً بدمه في خطوط النار وطاوياً على بطنه صخرة الصبر في حارته وقريته ومدينته...
إن الوثبات العسكرية والأمنية الخلاقة والمذهلة التي اجترحها أبطالنا في ميادين العزة والشرف والبطولة المختلفة ووحدات جيشنا ولجاننا الصاروخية والجوية والاستخبارية والهندسية، ينبغي أن تواكبها وثبات مماثلة في جبهات المواجهة السياسية والاقتصادية والمعيشية والإدارية والثقافية والإعلامية، فلماذا لاتزال هذه الجبهات بمثابة رجل عرجاء قياساً بالقدم العسكرية الصحيحة الصلبة والوثابة التي تحمل جسد الوجود اليمني بجدارة وانفراد وإيثار منقطع الشبيه في موسعات تجارب الشعوب كل الشعوب على مر التاريخ؟!
لماذا يتفتق العقل العسكري عن المعجزات ويبقى العقل الاقتصادي رهين الكساح والعرج وموات الخلايا وخنوع الفكر؟!
تلك أسئلة الثورة، وأما إجابات السياسة الرسمية والإعلام الرسمي عليها فهي هي ذاتها: "ليس في الإمكان أفضل مما كان، ومعوقات الماضي أكبر من القدرة على الخلاص منها، والتمتين والاصطفاف الوطني يقضي بالتوافق". وهكذا يجري تعويم المسؤولية عن كل عثرة، وما أكثرها، في خضم الهجين القائم على رافعة التوافق، بينما يتناسل ماضي الوصاية في حاضر الثورة بالاجترار في مختلف مناحي الأنشطة الرسمية، وما شذ عن ذلك فهو مبادرة فردية لا رافعة لها من منظومة مؤسسية متكاملة ينتظمها عقل ثوري خلاق ومغاير...

أترك تعليقاً

التعليقات