رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -
غادر مثنى يونس.. خفيةً، ولم يبرق بقصاصة إنذار مسبق لأصدقائه ومحبيه عن أزوف رحيله الفاجع.
توارت معاناته على استحياء خلف سيل كتاباته عن معاناة شعبنا بفعل الحصار والعدوان وعن صموده الملحمي وبطولات رجال الرجال الذين كان واحداً منهم، ولا ريب، موقفاً وفكراً وإيثاراً وثباتاً في خنادق وميادين المواجهة المديدة دفاعاً عن الوجود الحر الكريم المستقل.
ظل يكتب عنا حتى النفس الأخير... ولم يمنح معاناته أكثر من منشور واحد... لم يمنحها أكثر من نفس منهك بثه من غرفة عمليات المشفى ومن تحت مشارط الأطباء المنقبة عن قلبه الكبير المجهد لتسنده بالدعائم بأمل أن يعاود ضخ حريته وعنفوانه في هيجاء الملحمة الإعلامية كما ظل يفعل منذ اللحظة الأولى التي أنشبت فيها وحوش العدوان الإمبريالي مخالب حقدها وقبحها في لحم شعبنا وخبزه وكبسولة دوائه وترابه ومائه وزرقة سمائه ونوارس بحره غادر الصديق والزميل الصحفي الحر المناضل مثنى يونس بهدوء تام، ملتحفاً جنحَ عزةِ نفسٍ كريمة كتومة لا تنشر أوجاعها على قارعة الشكوى والمناشدات.
غادر دون جلبة ولا ضجيج ولا أنين صاخب... دون أن يلوح بأنامله النحيلة المتعبة متسولاً «قارب إنقاذ» من ربابنة يلعبون الكوتشينة حول أسياخ الشواء لاهين عن تعب الأيدي المجدفة في قلب العاصفة.
غادر مثنى يونس كمصباح في شارع عام يأخذ بأيدي المارة إلى مقاصدهم ويذوي وحيداً منفرداً بأحزانه دون أن ترمش صوبه عيون العابرين تحت مساكب ضوئه السخي لتتحسس دموعه وتواسيه.
«دعامة رابعة» فقط كان بوسعها أن تسند قلبه الكبير فيعاود النبض والخفقان.
دعامة رابعة فقط كانت كافية لينتصر قلبه المحارب المثخن بأوجاع 30 مليون يمني.
دعامة رابعة كتبها الأطباء بارتجال وطلبوا من قريب مثنى المرابط على باب غرفة الجراحة شراءها بسرعة...
دعامة رابعة عاجلة وينهض المحارب النبيل ابن الضالع مجدداً ليواصل معركة اليمن كل اليمن...
قريبه يحصي الفئات الورقية المهترئة بوجه مصفر يرشح عرقاً في صقيع صنعاء... بين يده المتعرقة الضاغطة على ما تبقى من نقود وبين رفوف اللوازم الطبية مسافة مالية شاسعة... وبين قلب مثنى والسكون التام بضع خفقات مجهدة يائسة.
الأطباء يدخنون بانتظار الدعامة، وقلب مثنى يونس يوصد نافذة الانتظار إلى الأبد.
40 وزارة حكومية كانت ثمناً بخساً مقابل دعامة رابعة...
40 وزارة إنقاذ لم تعد تساوي فلساً في تمام الدقيقة التالية لرحيل مثنى يونس...

أترك تعليقاً

التعليقات