كيدُ ساحر
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

يريد تحالف العدوان الأمريكي السعودي، الذي أضحت الأمم المتحدة وكل المجتمع الدولي أعضاء فاعلين فيه، أن يكسب المعركة ضد الشعب اليمني وقواه الثورية الوطنية الشريفة، بالكذب والتدليس وتحوير الحقائق الموضوعية للصراع وتشتيت الانتباه عن العدوان ومسؤوليته المباشرة عن كل المآلات الكارثية التي يعيشها اليمن اليوم.
تقارير المنظمات التابعة للأمم المتحدة عن الوضع الإنساني في اليمن، وهي تذرف دموع التماسيح بإسراف، تدحضها مقايضة (ولد الشيخ) القائمة ـ صراحة ـ على مبدأ (تسليم ميناء الحديدة للاحتلال مقابل الغذاء والدواء والخبز والرواتب)، في إقرار فج وصفيق بمؤازرة الأمم المتحدة لقرصنة العدوان التي تستهدف أقوات اليمنيين وأسباب الحياة في اليمن بصورة وحشية مباشرة؛ وعوضاً عن أن تدين المنظمة الأممية هذه القرصنة، فإنها تراهن على تبعاتها الكارثية في تركيع الشعب اليمني لحزمة أطماع التحالف، وفرضها عبر طاولة مفاوضات محسومة النتائج سلفاً، كمعادل موضوعي لفشل العدوان في تمرير هذه الأطماع من خلال العمل العسكري على مدى أكثر من عامين من القتل والقصف والحصار ومصادرة وتنضيب موارد وإمكانات الحياة الرسمية والشعبية.
يريد العالم المنافق المستثمر في دمنا ودمعنا وأشلائنا، أن نرضخ لمشيئة الدول المانحة بوصفها (الرزاق ذا القوة المتين)، تحت ضراوة نهشات أنياب اليأس وفقدان الأمل وقطع الرجاء في صدقية نواميس العدالة الإلهية، ونفاذ مشيئة ملك الملوك وأزوف وعوده بالنصر لعباده المستضعفين الذين استعصت رقابهم على جبروت الجبابرة وقوى الاستكبار، ولو وجهنا الوجوه مبتهلين لغير وجه الله الواحد الأحد، ووضعنا السلاح رهاناً على نوايا العالم المنافق حيال ما يسميه (وضعاً إنسانياً آيلاً للانهيار في اليمن)، لأوضعوا في رقابنا سواطير المسوخ والدواعش وشذاذ الآفاق، غير آبهين بنفوق ملايين البشر في بلادنا جوعاً وذبحاً وتشريداً وامتهاناً، كما هو حال عديد شعوب أذعنت لتدرأ عن نفسها كلفة المواجهة والموت بشرف أو الحياة بكرامة، فذاقت وبال إذعانها أضعافاً مضاعفة.

تقول الحقائق الموضوعية إن على ماكينة العدوان أن تتوقف، وأن على القوى المعتدية أن ترفع كماشات الحصار براً وبحراً وجواً عن رقاب شعبنا، وتعيد إعمار ما دمرته آلتها الحربية دون وجه حق من مقدرات اليمنيين الخاصة والعامة في كل القطاعات، وترتيباً عليه فإن المنظمات الأممية ستوفر على نفسها براميل الدموع التي تذرفها على ضحايا سوء التغذية والكوليرا والنزوح القسري وفقدان المأوى والملاذ وانعدام ظروف الحياة الآدمية، وسيكون الطريق ممهداً أبعد حدود التمهيد لتحقيق تسوية سياسية يمنية ـ يمنية، كانت ممكنة قبل العدوان، ولا تزال ممكنة بإنهائه ورفع يد الوصاية عن القرار اليمني تحت أية ذريعة أو مسمَّى.
وتقول وسائل إعلام العالم المنافق وتقارير منظماته المعتاشة من خزائن البترودولار، ووسيطه الأممي الممثل لإرادة العدوان، إن استتباب الوضع في اليمن، والإفراج عن الرواتب والأقوات، ووقف حمامات الدم، والتوصل لحل (النزاع السياسي والعسكري)، كل ذلك مرهونٌ بإذعان الضحية لجلادها دون تعقيب على مشيئة سواطيره ونزواته، وهي قسمة ضيزى ومقاربة عاهرة رفضناها بالأمس ونرفضها اليوم وسنرفضها غداً مهما كانت الكلفة التي سندفعها من دمنا وخبزنا ودوائنا ثمناً لهذا الموقف الرافض، إذ إن البديل عن أن نموت واقفين اليوم مع حتمية أن نحيا بكرامة ورغد غداً، هو أن نموت راكعين ونحيا راكعين تحت أقدام قوى الاستكبار اليوم وغداً، ركوعاً مقروناً بشظف وبؤس الحال وضآلة الذات، لا رغد فيه ولا كرامة.
أضحت غالبية شعبنا الصامد المجاهد تعي هذه الحقيقة غاية الوعي، ولا جدوى من أن يراهن تحالف العالم المنافق على أن تنقلب جماهيرنا بالضد لقضيتها العادلة، أو أن تفرط في الدم المراق على حوض الشرف الرفيع ومذبح الاستقلال تحت وطأة ما يعتقد أنه (يأسها من حصول الانفراج وسأمها من أعباء الحرب عليها) حد توصيف التقارير (اللاإنسانية الأممية).
إن العالم المنافق لا يتحرك على مستوى (مبادرات حل النزاع في اليمن) من منطلق فرط الألم الذي بلغ باليمنيين، بل من منطلق فرط الألم الذي بلغ بقوى العدوان وأزوف انفراط عقدها بفعل صمود شعبنا الفذ، على أن هذه المبادرات تُمرهم ألم الجلاد بالاستثمار في آلام الضحية، كي تبخس هذه الأخيرة أثمان آلامها وما يترتب على هذه الآلام من استحقاقات حرية واستقلال على طاولة التفاوضات.
إننا ضحايا يعون نزيفهم جيداً، ولا يمكن لأي كان أن يحوِّل مجرى دفق دمهم الطاهر ليصب في غير بحر الحرية والاستقلال طالت الحرب أو قصرت، وما يصنعه تحالف العالم المنافق من اعتساف للحقائق وتحوير لجوهر الصراع، إنما هو كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى، وما جاء به ولد الشيخ من سحر فإن الله سيبطله.

أترك تعليقاً

التعليقات