أسطوانة (الغاز) المشروخة
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

حلمنا بحكومة (إنقاذ) شبيهة بذلك المجاهد اليمني الأنصاري البطل الذي حمل رفيقه الجريح على كتف مكابرة، واجتاز به وادي الموت المحقق، صوب ضفة النجاة.. فابتلينا بحكومة (موسِّحة) تركب على أكتاف شعبنا الجريح، وتثخن جسده الواهن وخزاً بالمهاميز منذ قرابة العامين، غير آبهة بمعاناته!
ابحثوا لهذه الخلطة الوزارية الكسيحة عن مسمَّى آخر سوى (حكومة إنقاذ)، كـ(حكومة ترضيات) ـ على سبيل المثال ـ أو (حكومة مساج سياسي) أو (حكومة ارحموا عزيز قوم..)، فـ(الإنقاذ) حتى اللحظة يبدو محض تهمة جسيمة هي منها براء!
أجل، قد يكون من تطريز أكمام جاكتة المشهد السياسي في صنعاء بهذه الصفوف من الأزرار الملونة؛ لتبدو جميلة متنوعة ومتناسقة لعيون المراقب الخارجي، لكنها تبقى عديمة الجدوى وبلا فائدة عملية بالنسبة للداخل، فالتحديات الضخمة والاستثنائية وغير المسبوقة التي يواجهها شعبنا الشريف الصامد منذ 3 أعوام، وعلى عتبة العام الرابع من العدوان، لا تعوزها أزرار فيروزية على أكمام (دانتيل)، وديكور دبلوماسي أنيق، قدر ما تعوزها أذرعة فولاذية بصلابة جلمد جبالنا، وعزائم ثورية وثَّابة بلا مكابح تصغر في همتها العظائم كما تعظم الصغائر في عيون وهمة حكومة ما يسمى (الإنقاذ)!
عبثاً يحاول الرئيس صالح الصماد أن يحرض هذه السلطة الكسيحة على أن تقلع محلقة بمستوى ارتفاع طموح الثورة وجديتها وإيثارها

وفدائيتها، كمن يستولد مارداً من قمقم.. تلك حال الرئيس الصماد مع ذهنية بيروقراطية حبيسة ماضي المزايا والريوع النقدية وحروب الفتات الإداري، وعاجزة بالقصور الذاتي عن كبح أسطوانة غاز منزلي تتدحرج إلى الأعلى يومياً، عوضاً عن مناكبة تحديات وجودية بحجم ما يواجهه شعبنا اليوم، عاصباً حجر الصبر والمجالدة على بطنه بانتظار أن تنهض (الإنقاذ) من فراش كساحها.
مشروع (ما تيسَّر من الراتب) لا يزال قِدْراً يغلي بحجارة الوعود، ولم يطرح رشفة حساء في صحون حشود الموعودين بسد الرمق وتخفيف المعاناة، وفي صدارة هؤلاء رجال الرجال في الجيش واللجان الشعبية المرابطين دفاعاً عن حياض الشرف الرفيع.
قال زعيم مليشيا الخيانة في الـ24 من أغسطس، مضارباً بجوع الشعب، ومساوماً على حاجة الوطن إلى سواعد تذود عنه: (ادفعوا لجنودنا وضباطنا رواتب وهم عيسيروا الجبهات).. كانت القيادة الثورية ممثلة في (أنصار الله) هي المقصودة بهذا الابتزاز العفاشي الوقح، وكان المؤتمر ـ ولا يزال ـ يحوز على غالبية مقاعد ومواقع القيادة في (السياسي الأعلى والإنقاذ)، غير أن ذلك لم يكن كافياً في تقديره للنهوض بموجبات الشراكة في مواجهة العدوان، ولا للكف عن ابتزاز الأنصار والاعتقاد بـ(جنايتهم الثورية) على البلد، ومسؤوليتهم الحصرية عن كل تبعات الحرب من إدارة جولات المرور ومحطات الغاز المنزلي، إلى إدارة المعارك والتعبئة العامة للجبهات، وأكثر من ذلك احتمال نصال دسائس الشريك ومؤامراته، مسترخياً على أرائك الفُرجة والشماتة، ومستثمراً في أوجاع الشارع لصالح تحالف العدوان الكوني.
ما الذي تغيَّر بوأد الفتنة والمخطط الخياني إثر ظهوره جلياً للشارع في ديسمبر الفائت؟! لا شيء سوى أن ذهنية الفتنة والخيانة كمنت في قاع الإذعان للأمر الواقع، ومن الخطأ الفادح الاعتقاد بأن تحولاً قد طرأ في زوايا الرؤية لديها أو الركون إلى فاعليتها لجهة النهوض بمقتضيات تحديات المواجهة زعماً بزوال العوائق.
إن قدراً لا يستهان به من طاقة العمل الثوري، ينصرف اليوم في مضمار طمأنة (من؟!) بأن الثورة ليس في نيتها الانفراد بالسلطة، والتأكيد (لمن؟!) على حاجتها إلى الشراكة مع الجميع والتزامها العمل عبر مؤسسات الدولة وطبقاً للقوانين النافذة!
إن هذا القدر من الجهد والطاقة يجري اقتطاعه من مخزون الرصيد الذي ينبغي أن ينصرف في مضامير تثوير الطبقات الشعبية غير الممثلة في البناء الفوقي لسلطة الوصاية البائدة، كما وتكتيلها كحامل اجتماعي لمشروع النهوض الثوري التحرري بوصفه جوهر صراعنا مع قوى الهيمنة والاستكبار الامبريالية وأدواتها في الداخل والخارج.
عدا ذلك فإن الثورة لن تحظى بثقة بقايا القصر الذي ثارت عليه، وستخسر في المقابل ثقة لفيف الأكواخ التي ثارت بها ولها!     

أترك تعليقاً

التعليقات