رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -

لا قيمة لأي تيار أو حركة أو إطار خارج معركة التحرير كهدف استراتيجي لكل حوار وطني لاحق بين أبناء البلد... ثمة قضية واحدة اليوم ومظلومية واحدة تصهران كل شعبنا الشريف في أتونهما، هي قضية الوطن ومظلوميته في مواجهة تحالف عدوان كوني يرمي لاحتلاله وتمزيقه، ويهدد كل والجود الجمعي الوطني، ولذا فإن الاتكاء على حيز جغرافي لمساومة حيز آخر باسم مظلومية ما، هو انسلاخ صريح عن الوطن، وانصهار في أتون مشروع قوى الاستعمار والاحتلال، حتى وإن غابت هذه الحقيقة عن المنزلقين إلى حضيض دعوات انعزالية لا يموهها تأكيد أصحابها لموقفهم من المواجهة مع تحالف العدوان الكوني كعدو مركزي رئيس، إذ إن جزئيات هذه الدعوى تتضخم لتلتهم كليات المواجهة، وتستدعي استقطابات بينية داخلية محتربة تستنزف الطاقة الشعبية التي يفترض أن تصب في جبهات الاشتباك مع العدو الغازي والمحتل.
إن الجديرين بصنعاء وتعز والجنوب وكل حيزات الوطن مجتمعة، هم من يخوضون ملحمة الدفاع عنها في وجه الاحتلال والعدوان، ولا يمكن لأي إطار سياسي أو اجتماعي أن يكسب معركة تمثيل الحيز الذي يتكئ عليه كدعوى بالعمل تحت عباءة المحتل وشحاذة فرمانات الشرعية من مطابخه، فضلاً عن ذلك فإن من لا يخوض معركة الدفاع عن الوجود الجمعي للوطن وشعبه، لا يمكنه اكتساب شرعية تمثيل جزء من هذا الوجود تحت أية دعوى (قضية جنوبية أو إقليم تعزي أو مخلاف إداري ما)، لسبب وجيه وبسيط، هو أن المحتل سيكون قد ابتلع كل هذا الوجود في مجارير غاياته وأطماعه، ولم يُبقِ لأبناء التراب على حيز مستقل يقيمون عليه مشاريعهم الانعزالية مهما كانت ضئيلة وقميئة.
إن صنعاء أنصار الله تكسب معركة الوجود وتزداد وزناً وحضوراً، لأنها في صدارة الفعل الوطني الطبيعي والفطري والقومي والإسلامي والإنساني بالعموم، بذلاً وريادة وتعبئة وفداءً وتغليباً لمصلحة شعبنا المستهدف بالمحو، على نزعات الذات الأنانية المناطقية والطائفية والجهوية. ولو لم تكن حركة أنصار الله كذلك لما كانت ما هي عليه اليوم من وزن وحضور. ولو أرادت أن تساوم على غرار المكونات الانبطاحية لكان بوسعها أن تنجز أسلم صفقة انعزالية مع مركز الوصاية الغربية، تصبح بموجبها أقوى كيان صغير بوسعه مد نفوذه والتهام الكيانات الأخرى الأصغر ضمن قواعد اشتباك الوصاية ذاتها، وبمنأى عن خوض معركة مكلفة على امتداد جغرافي شاسع كالتي تخوضها اليوم، ودون حاجة إلى تطوير قدرات عسكرية تطال دول العدوان في مضاجع ملوكها ومرابض قوتها العسكرية والاقتصادية وعواصم حكمها البعيدة بقبضة جوية وصاروخية طولى جرى إنتاجها وتصنيعها في خناق الحصار والتجويع والقصف الجوي وأقمار التجسس الاصطناعية العملاقة لتحالف كوني من عشرات الدول الأغنى والأقوى والأكثر والأحدث تسليحاً، وبمدد مباشر من عبقريات الكون الحربية والاستخبارية والسياسية، وبكنف من نفاق عالمي عميم وفاجر.
انتصرت صنعاء الأنصار وتنتصر في البدء والختام، لأنها جادة في إنجاز القطيعة الكاملة مع كل وصاية وارتهان تكبل يد البلد وقراره السيادي، ولأنها تخوض معركة بالغة الوضوح في تعبيرها عن المصلحة الجمعية لشعبها على اختلاف طيفه الاجتماعي، وبمن فيهم أولئك الذين باعوا أنفسهم لمزاد العمالة والارتزاق بحفنة ريالات، ليخوضوا معركة المحتل، كما ومصلحة أولئك الذين يعتقدون أن ديكورية مواقفهم المنبرية المناهضة للعدوان في الواجهة والمنسجمة مع مشاريعه في الواقع العملي، يمكن أن تعود عليهم بمصلحة فئوية في زمن عصيب على كل الوطن، وبالغ الخطورة على شعبه وتاريخه ونسيجه الاجتماعي وحضارته وأخلاقه وقيمه الوطنية والقومية والدينية.
لن يظفر ما يسمى أحزاب الشرعية أو الانتقالي بكسرة وطن ولا نقير سلطة تحت عباءة العمالة، وفقدانهم الوزن الكلي بدخول عام خامس من سفاحهم الفاجر مع قوى الاحتلال والعدوان الكوني يؤكد أن الأوزان السياسية الراجحة تكتسب من الاتصال الكامل بحقائق الأرض والتاريخ الموضوعية والذاتية، وأنه لا وزن لأي كان بالقطيعة مع هذه الحقائق واللهاث خلف سراب الكسب بالتضاد معها والتماهي مع المحتل والدخيل مشروعاً ودماً.
لقد ابتلعت أرضية ديسمبر الخياني رموزها، لأنها أرضية رخوة قامت بالأصل على حسابات واهمة هي ذات حسابات دنابيع التحالف الذين توهموا أن شرعيتهم يمكن أن تنهض على أنقاض الوطن والشرف والعرض، وبالاتكاء على ترسانة أعدائه من قوى الوصاية والهيمنة الكونية بوصفها الخافض الرافع والمعز المذل في تقديرهم، ولا حاجة لتوصيف ما آلوا إليه من خزي وضعف وفقدان وزن اليوم بعد نصف عقد، فالمشهد المنظور رأي العين ويقينها أبلغ من كل بيان ووصف.
ليس الوقت وقت المساومة على وليمة من ظهر الوطن المتعب الجريح، وإنما وقت الذود عنه في منعطف تتناوشه خلاله من كل صوب خناجر وحراب ومخالب وأنياب تحالف الوصاية والهيمنة بقصد تقطيعه وفق ما يشتهي الوزَّان الأمريكي الصهيوني، عقاباً له على جريرة الطموح المشروع في كينونة كاملة جناحاها الحرية والاستقلال..
إن ذهنية "الفيد والمحاصصة والغنيمة" التي لا ترى في الوطن أكثر من حصالة نقود كبيرة، كانت ولاتزال هي الذهنية التي أزهقت أشواق الوثوب الوطني المقتدر في كل منعطف، وقرفصت بلا استحقاق على ظهره لعقود بوصفه مطية مملوكة لها كـ"قيادة تاريخية" حارسة لجمهورية كانت مطية للوصاية الأجنبية وحظيرة خلفية للديوان الملكي السعودي باتفاق معظم الفرقاء..
إن مضمار إثبات الأحقية بزعامة هذا الوطن والشراكة غير المنقوصة في إدارته والعيش فيه، مضمار فسيح اليوم قوامه عشرات الجبهات المدروزة بأبناء الأرض المرابطين في سبيله بذلاً للدم قبل العرق بلا من ولا أذى، وتوسيداً لأشرف الرؤوس بلا مساومة ذليلة وأنانية على رئاسة أو منصب أو غرف مكيفة..
وهؤلاء هم أشرف أبناء الأرض والأحق بها وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

أترك تعليقاً

التعليقات