لمن المُلْكُ اليوم..؟
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

أمَّمت مصر عبدالناصر قناة السويس، شركة مساهمة مصرية، فكان العدوان الثلاثي (البريطاني، الفرنسي، الصهيوني)، وانتصرت مصر بمقاومتها الشعبية، وبسواعد رجال (وحدات الصاعقة الفتيَّة)، وخرجت أصلب عوداً، فأحدثت تحوُّلاً استراتيجياً على مستوى موازين القوة العسكرية في المنطقة العربية، عبر إبرام صفقة السلاح التشيكي التي ضاهت حينها ـ بحسب مراقبين ـ بروز الطفرة النفطية لاحقاً، كما وأحدثت بالتوازي تحولاً استراتيجياً آخر على مستوى المشهد السياسي الدولي، بتدشين منظمة (عدم الانحياز ـ أو الحياد الإيجابي)، وبات لمصر وزنها وحضورها وتأثيرها، بعد حقبة مديدة من الاستلاب وانعدام الوزن في كنف الاستعمار والإقطاع.
على السياق التحرري ذاته، تنفض يمن 21 أيلول جناحها اليوم كالعنقاء، وتخرج من رماد العدوان الكوني ودوامة الموت والدم ومحارق النازية الأمريكية، المستعرة بحطب البترودولار، وتواطؤ العالم المنافق من أقصاه إلى أقصاه..
تخرج عصية على ترسانة القتل الرقمية المعولمة، لتحلق مهيبة فوق الكبل والكرابيج وسياط الرق والوصاية التي احتشدت في أبشع تحالف عدوان تاريخي عرفته البشرية، بهدف ترويض جموح اللحظة الثورية، وإعادة يمن أيلول إلى إسطبل المهاميز والحدوات والسروج التكساسية كصهوة معبدة لـ(الكاوبوي)، بعد أن أممت اليمن قرارها السياسي، قراراً سيادياً وطنياً شعبياً خالصاً..
تخرج العنقاء اليمنية الأيلولية اليوم عصامية من رماد عدوان أضرى بآلاف المرات من العدوان الثلاثي على مصر، وفي منعطف تاريخي أعقد آلاف المرات مما كان عليه الحال في 1956، لجهة تراتبية القوة وطبيعة التوازنات القائمة على مسرح الصراع العالمي آنذاك!
بزنود وبسواعد أبطالنا في الجيش اليمني واللجان الشعبية، السمراء الملفوحة، على امتداد جبهات الشرف والفروسية الفذة، انتصرنا وننتصر، لا بقبعات الحرس الثوري الإيراني، ولا بمعطف الشرعية الدولية الذي لم يقِ الشعوب المستضعفة يوماً من عواصف القرصنة والجبروت وطغيان الاستكبار، ولا بصلعة (بان كي مون)..
بـ(الشياكي والجرامل) خضنا ملحمتنا الدفاعية التحررية الوطنية الكبرى، في مواجهة الـ(إف 16، والرافال والدرون والبرادلي والإبرامز) والأقمار الاصطناعية وعقبان الاستطلاع الرقمية، لا بـ(الإس300 والسوخوي والبي73..)..
بأظافرنا، لا بأظافر الدب الروسي، قطعنا وريد الامبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط، وبَقَرنا كروش هِجْن الصحراء الهجينة، وردمنا مستنقعات الوهابية والقار..
تحت ضراوة الصفعات التي يسددها مقاتلونا البواسل لتحالف العدوان الكوني، لا تحت أنات الاستعطاف وهوان التوسلات وذلها، تأكد للعالم المنافق أن الدم الذي أباحه لترسانة القتل، طيلة عام، بوصفه (دماً مجوسياً إيرانياً)، هو دمٌ عربي يمني محض، ولحقن ماء وجه واشنطن المصفوعة على قفاها، لا لحقن الدم اليمني، اختار العالم المنافق طريق التفاوض مع (الانقلابيين) اليوم، لإعادة الاعتبار للهيبة الأمريكية الزائفة النازفة، لا لـ(إعادة الشرعية) لأبنائه غير الشرعيين.
لمن الملك اليوم؟!.. لمواليد برج الثورة.. للطالعين كشجر الغار والصبار من وجيب شمس 21 أيلول.. للجينات التي بزغت من مخاض ملحمة المجابهة الوطنية للعدوان.. للوجوه وللسحنات التي اختمرت في أتون الرفض المكابر والصمود العنيد.. لقامات الفولاذ التي عصفت بالعاصفة وكسرت قرن الشيطان.. للجباه التي اعتصبت بالنيازك ولم تتخذ من أمريكا إلهاً من دون الله.. للأقدام التي داست أوثان الإقطاع والعمالة والارتزاق.. وللأكف القابضة على زناد البندقية الشريفة في وجه عهر العالم وآلته الحربية.
أراد تحالف قوى العدوان والقرصنة الأمريكية، قبل عام، أن يحيي من الرميم عظام المنظومة المحلية لوصايته على اليمن، بعد أن قوَّضتها ثورة 21 أيلول، وأهاضت أجنحتها، وقصمت عمودها الفقري..
قبل ذلك، كان بوسع المكونات السياسية التي لعبت على مدى عقود دور القفازات الناعمة لقبضات الوصاية القذرة تلك، وفردت مظلات حزبية سميكة، واربت بها نشاز جوهر منظومة السيطرة اللاوطنية.. كان بوسع هذه المكونات أن تعيد النظر في فُصام دورها العتيق وقبحه، فتعاود الحضور كمظلة للشعب، وتُجسِّر فجوة القطيعة العريقة بينها وبينه، في ضوء متغيرات أيلول، بوصفها برهاناً حياً على مدى زخم الفعل وعنفوان الحضور اللذين يمكن أن يتمتع بهما مكون ثوري صغير ومحصور كـ(أنصار الله) بفعل التحامه العضوي بشعبه، وريادته الواعية للحظة التاريخية الوطنية في طور نضوجها وترجمتها ألماً وأملاً بنزاهة ثورية خالصة من شوائب الانتهازية والتحوير.
لكن اليافطات المحلية السياسية المُغَلِّفة لمنظومة الوصاية الأجنبية، كانت آيلة ـ بالقصور الذاتي لتكوينها الكمبرادوري ـ إلى استدعاء نجدة المدير التنفيذي المشغل لها، وعاجزة عن استثمار اللحظة الثورية المواتية لتجسير علاقتها بالشعب، واستمراراً لدورها القشوري وغير الوطني، فقد التحمت بتحالف العدوان السعودي الأمريكي كيافطات مشرعنة له ومبررة لمجازره بحق الشعب، وراهنت في استعادة نفوذها المحلي المهيض، على جدارة الآلة الحربية الغربية في تطويع اليمن بشراً وتراباً لاحتلال أجنبي شامل.
في المحصلة، فإن هذه الأدوات تجد نفسها اليوم مكبلة بسلسلة خيبات الآلة الحربية لمديرها التنفيذي الذي بات يناور لتمرير معادلة سياسية هجينة عبر المفاوضات، تضمن له مستوى ـ ولو ضئيلاً ـ من الحضور في مستقبل المشهد اليمني، عوضاً عن هيمنة مطلقة، أخفق في فرضها عبر العدوان العسكري المباشر!
إن إذعان العدوان لـ(وقف إطلاق النار) ـ كإقرار ضمني بلاشرعية عدوانه ـ هو ثمرة أولى نوعية لجدارة المقاتل اليمني في الجيش واللجان، في إدارة المعركة على الأرض، بحنكة ودربة ودراية غير غافلة عن الأبعاد السياسية للعدوان العسكري.
ما نحتاجه اليوم هو إدارة المعركة على طاولة المفاوضات بالكفاءة الميدانية ذاتها، وصولاً إلى إفشال مخطط تهجين المشهد السياسي اليمني بالملوثين والخونة وجثامين الإقطاع المتفسخة والمنبوذة شعبياً، عبر تمتين لُحمة الصف الوطني المفاوض، وتحصينه إزاء محاولات الاختراق..
تلك هي معركة (أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام) وطيف الفريق الوطني المفاوض في (الكويت).. وهم جديرون بخوضها، جدارة مقاتلينا على الأرض، تثميناً لدماء الشهداء وأوجاع الجرحى، وارتقاءً لسدة الصمود الشعبي، ووثباً على درك الحزازات إلى علياء اللحظة الوطنية الفارقة..

أترك تعليقاً

التعليقات