رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -
في الحرب الاقتصادية يملك العدو أسلحة الحسم في مقابل حكومة صنعاء المرتجلة، التي -بالقصور لذهنياتها التقليدية وبنيتها الجبائية وإقصائها للأدمغة الوطنية المبدعة- لم تستطع أن تسجل نقطة تفوُّق حقيقية على مستوى هذه الجبهة، لا في ذروة أعوام العدوان، ولا خلال عامي "الهدنة" المجانية التي منحتها للعدو وقبضت عنها "شيك سلام" بلا رصيد لجهة مجموع الشعب الكادح والمسحوق.
حتى النقطة الوحيدة التي يمكن أن نتأولها إيجابياً في رصيد الحكومة، والمتمثلة بـ"وقف انهيار الريال وتثبيت سعره أمام الدولار"، هي -بحسب خبراء- مجرد حبس للعملة الوطنية في البنك المركزي، مسلوب الصلاحيات، وتقنين تداولها. وإذا ما أمكن اعتبارها إيجابية فذلك قياساً بضراوة العدوان الاقتصادي، الذي سحب بساط الشرعية المالية من تحت أقدام صنعاء. لكن هذه الخطوة تبقى إجراءً بدائياً مؤقتاً وغير مستدام، لا يحقق قيمة حقيقية للعملة الوطنية على مصاف السوق ومدخلاته القائمة في جلها على الاستيراد بالعملة الصعبة، كما ولا يطرح ثماراً في جعبة القدرة الشرائية للمواطن، فتسعير السلع لايزال رهناً لسعر الدولار في السوق السوداء وتقلباتها، بمنأى عن تسعيرة البنك المركزي الافتراضية.
لم تستطع حكومة صنعاء -ولن تستطيع- اجتراح أفق اقتصادي إنتاجي يتخلص من تعويله المطلق على ريوع النفط الواقع اليوم تحت سيطرة قوى الاحتلال، ولا من بنيته الجبائية القائمة على تبييض مجموع الشعب الأعجف كدجاجات لا تعلِفها الحكومة حَباً نظير ما تطرحه في خزائنها من بيوض بـ"الزُّحار" وشق الأنفس، واقتطاعاً من خبزها الحافي المغموس بشظف الكدح على أرصفة البطالة المستدامة وانعدام الرواتب والخدمات الأساسية الرسمية.
في المقابل، وعلى النقيض من هذا الكساح والاستهبال الحكومي، سجل -ويسجل- رجال الرجال، بقيادة مباشرة من سيد الثورة، في جبهات المواجهة العسكرية، نقاط تفوُّق فارقة، بطولة وتصنيعاً ومراكمة مكاسب وجودية مستدامة في حساب قوة البلد والشعب.
إن الحكومة لم تخفق لأنها حاولت بصدق ولم تصل لنتيجة، بل أخفقت لأنها لم تحاول ولم تصْدُق مع شعبها؛ باستثناء زمن الرئيس الشهيد صالح الصماد؛ وهو زمن مرهق للغاية بالنسبة لحكومة كساح سرعان ما عمل لفيفها على إنجاز القطيعة معه، ونجح في ذلك حد تيئيس المواطن من أن هناك من سيتفقد كوخه ويبلسم جراحه ويسأل عن أخبار جوعه وحرمانه بعد الرئيس الشهيد صالح الصماد.
وبالنقيض فإن الشعب بات متهماً بالضلوع في "مخطط أمريكي" كلما صرخ بدافع العوز والفاقة أو أشار بإصبعه إلى سارقي لقمته وما تيسر من بقايا عافيته وحقوقه.
إن الرهان في مضمار انتشال الوضع الاقتصادي من حضيضٍ ينحدر نحوه بوتيرة متسارعة، لايزال رهاناً على رجال الرجال وسيد الثورة والذراع العسكرية الطائلة، لا على الحكومة، التي يفترض أن ذلك من صلب وظيفتها وواجباتها.
إن الحكومة لم تكتفِ بأنها لم تفعل شيئاً ذا قيمة في مضمار عملها سوى مراكمة الإخفاقات والفشل والتمادي في التنصل عن معاناة الشعب، بل وذهبت أبعد من ذلك لتستحوذ على بطولات رجال الرجال وتتلطى خلفها بكروشها المنتفخة والباذخة، بوقاحة لا نظير لها.
لقد بترت كل الأيدي التي تحاول أن تبني، وهي تسعى اليوم لأن تجعل من اليد التي تحمي قفازاً تشهره -على سبيل التهديد- في وجه الشعب المطالب بالتغيير الجذري وطي زمن المزريين بزمن ثوري يصل ما انقطع من زمن الصماد، ويجسد عظمة المشروع القرآني واقعاً في كل منحى ومجال وجبهة، ويجعل من التحديات فرصاً للنهوض المقتدر العصامي الجدير بهذه المسيرة وبهذا الشعب السخي والصابر بلا حدود.
خلال عهده القصير كحلم أو كليلة قَدْر، أطاح الرئيس الشهيد بـ"شماعة العدوان"، فنصبتها الحكومة في وجوهنا مجدداً عقب ثوانٍ من مراسيم تشييع جثمانه الطاهر، وكادت الهدنة أن تطيح بكل شماعة ذرائعية تتلطى الحكومة خلفها، فمنحتها تصاريف الزمن شمّاعة أكبر اسمها "غزة"!
غزة، التي يبذل رجال الرجال على مذبح نصرتها الأرواح ويعصرون أدمغتهم أفكاراً خلاقة في محاريب التصنيع الحربي والمسرح العملياتي إسناداً لها، تتلمظ الحكومة اليوم بحروفها كعلكة لا أكثر، فراراً من مضامير الفعل والبذل حيث ينبغي للحكومة أن تفعل وتبذل.
وبينما تتسع السوق الخاصة اليوم وتكتظ بالقطط السمان المدججين بسلطة الدولة ومزاياها، تزاول "الدولة" سلطتها الجبائية على الشعب المسحوق، وتنخر في القطاع العام الخدمي وتطلق على مكتسباته مخالب الغيلان وأنياب الهوامير، لتنهش ما تبقى فيه من عافية وترفد به ممتلكاتها الخاصة وتحتطبه لشبق السوق!
لا خيار للخروج من حضيض الوضع الاقتصادي الذي دفعنا ويدفعنا إليه العدوان الخارجي بصورة ممنهجة وتؤازره الحكومة في هذا المسعى بكساحها وشبقها للكسب الشخصي... لا خيار في ظل هكذا وضع سوى من خلال مسارين متضافرين بلا بديل ثالث:
الأول: أن نعيد المملكة السعودية إلى بؤرة النار عسكرياً بأيدي رجال الرجال، وبكيفية أو بأخرى، وعلى نحو مباشر أو غير مباشر، فعقدة الوضع الاقتصادي في يدها، ولا اعتبار لتبعيتها لأمريكا، فهذه التبعية ليست مما يشفع لها ويعفيها من لهب الرد والردع اليمني المشروع، بل هي -بالنقيض لذلك- تتيح لرجال الرجال مسرحاً عملياتياً أوسع وأهدافاً أوفر في بنك الرد، حيث تمكنهم من ضرب أمريكا في قلب مجالها الحيوي بضرب السعودية، وإثخان الأصيل الإمبريالي جراحاً بإثخان وكيله الإقليمي.
باختصار فإن معاودة استهداف ضروع البقرة السعودية الحلوب يعني إصابة الراعي الدولي الرسمي لمجازر الصهيونية بحق شعبنا الفلسطيني، بجلطة، ويصب في مصلحة غزة واليمن معاً، وأبعد من ذلك، شعوبِ العالم المستضعفة بأسرها.
المسار الآخر: أن يهدم سيد الثورة الهيكل الحكومي التقليدي على هواميره وذهنياته الوظيفية القميئة، بمعاول التغيير الجذري، وبسند من جموع شعبنا الحرة والمكابرة رغم عوزها احتشاداً وإيثاراً لغزة منذ الـ7من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لتنفسح أرضية بيضاء أمام ممكنات بناء واسعة تحجبها سحائب السوس الحكومية وغبار عقود الحكم التبعي المتخادم حد التماهي مع سوق الرأسمالية الطفيلية كوكيل رسمي لمركز الهيمنة الإمبريالية في اليمن.
عدا ذلك فلنتعوَّد كشعب على خسارة كل أمل في التغيير، ولنتيقَّن أن ما راكمته الثورة من مكاسب في ميدان القضايا الكبرى ستبتلعه الثقوب السوداء الحكومية الفاغرة والمتربصة بثورتنا، في الداخل، باعتبارها سحابة عابرة ستنقشع ككل ثورة سابقة لم تخلف وراءها سوى أحزان بلا جدوى ودموع سدى.
إن الله لا يمكن أن يتجلى مع الشيطان تحت سقف معبد واحد. والتحليق صوب الشمس بجناح نسر وجناح بعوض، كوميديا سوداء، مآل أصحابه الوقوع في الحضيض، لا النفاذ من أقطار السماوات والأرض، ونحن بالخيار، إما ثورة كاملة، وإما كوميديا سوداء، شرط أن نستشعر فوات الوقت!

أترك تعليقاً

التعليقات