رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -

بات حتماً على الثورة استخلاصاً من «تجربة كورونا» أن تعيد النظر جذرياً في سياسة خصخصة الخدمات الطبية والصحية... هذه السياسة الموروثة من زمن الوصاية هي أكبر إدانة لزمن ثوري يفترض أن يسن القوانين والتشريعات بمحورية الانحياز للمستضعفين، وهم الغالبية. وإذا كانت سنوات العدوان قد أرغمتنا على جدولة أولوياتنا وفقاً لمقتضيات المواجهة وظروف الحصار، وعلى إرجاء قضايا عديدة هي ضمن الرؤية الثورية المنتصرة للغالبية الكادحة والمستضعفة، فإن «تجربة كورونا» الداهمة والباغتة تبدو فرصة سانحة لإعادة النظر اليوم في خطورة تسليم رقاب الغالبية لدراكيولات الاستثمار الصحي وهوامير المضاربة التجارية على آلام الشعب وذباب الإثراء بلعق جراحاته.
ليس صحيحاً أن أرباب الاستثمار الصحي هم جيش أبيض في خنادق مواجهة كورونا، بل مرابون وقراصنة لحم بشري تنتفخ وتتكور كروشهم وأوداجهم وأرصدتهم حد الانبعاج باضمحلال أجساد الغالبية المفقرة والنحيلة، وكنتاج للزواج الرسمي بين سلطة الوصاية والإقطاع ورأسمال الفساد الحكومي المقونن...
لقد أدرنا ظهرنا لغضب العالم علينا ولم نحسب حساباً لقوته وجبروته واقتداره العسكري والاقتصادي، وخضنا حربنا من صفر الإمكانات لوجه الله والمستضعفين من شعبنا، وليس علينا اليوم أن نُدهِن في علاقتنا مع طبقة السيطرة التجارية والمالية خشية إملاق وفقر وعوز، فالله هو الرزاق ذو القوة المتين وهو الشافي كذلك.
الرياح مواتية لوضع سوق الاستغلال الصحي بكل قطاعاته في قبضة الشعب وخدمة غالبية أبنائه كحق إنساني ثوري أباحته سلطة الوصاية باسم السوق الحر والخصخصة للهوامير والدراكيولات، وبات لزاماً أن يسترد الشعب حقه اليوم غير منقوص.
أرجو أن يعي الدكتور طه المتوكل أن نشرة تقييماته لوضع المشافي الخاصة لا يمكنها أن تحجب حقيقة هذه المسالخ التي حصل أكبرها سلخاً بأعلى درجات الحظوة في تقييمات الوزير المتوكل لغير سبب منطقي، وبالنقيض لواقع الحال المشهود لمشافي الـ7 نجوم... إن هذا الترمومتر الحكومي بطبيعة الحال هو أحد موروثات زمن الوصاية، وهو لا يسبر جوهر الاستغلال، بل درجة استحقاق المُستغل لما يجنيه من ثروات مقابل ما يقدمه من خدمات فندقية لا تطالها مخيلات الغالبية المفقرة عوضاً عن أيديهم.
نحن لسنا قلقين على كبار التجار والأثرياء من جائحة كورونا، وإنما قلقون على شعبنا المستضعف من جائحة هوامير ودراكيولات المشافي والخدمات الطبية الخاصة - قبل وبعد كورونا - حتى يكتب الله لهم الخلاص على يد ثورة الـ21 من أيلول التي لن تغرق في عسل السوق الفاجرة، ولن تتشمع مفاصلها بالنزوات والأهواء الأنانية، وستبقى سفينة نجاة للمستضعفين، ولا عاصم لقلاع الاستغلال وجيشها الأبيض المزعوم من طوفان الثورة وجيشها الأحمر.

أترك تعليقاً

التعليقات