هيمنة مستحبة!
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
يتكئ النظام الرأسمالي على السيطرة والاستغلال والنهب، والانتقال من هيمنة إلى هيمنة، ومن استثمار غير إنساني إلى استثمار متوحش، ومن المتاجرة بدماء الشعوب إلى المتاجرة بالمنجز الإنساني الرائع: كأس العالم.
لقد أفلس النظام الرأسمالي ولم يعد يمتلك سوى المتاجرة بكل قيمة ومنجز إنساني، نظام لم ينتج سوى المزابل والتشوهات والانحطاط، نظام يتمرغ في قلب الازدواجية الحضارية، حيث علامات التطور تحولت إلى علامات انحدار وسقوط وانهيار وفرض قيود التخلف والعبودية والهيمنة والاستغلال والاستثمار حتى في عالم الرياضة، وجعلها تصب في طواحين استمرار وانتعاش النظام العالمي الجديد ومحاولاته المستمرة أن يثبت للعالم أن النظام الرأسمالي لا يزال يمتلك يدين وقدمين، وأن رأسه لا يزال في موضعه القديم، يحتكر ويبطش يخطط ويتآمر، يتحكم وينهب ويشتغل، ويعض كالكلاب المسعورة اللحم الحي والميت معاً، ويشكل العالم حسب رغباته ومصالحه الدنيئة.
ومع كل ذلك لم يعد النظام الإمبريالي بتلك القوة؛ لقد استنفد نفسه وغرقت مواكبه على اختلافها في بحر الظلمات والحروب والحصارات والمؤامرات والتلوث والتضخم والبطالة والأمراض الجديدة والمزمنة والاعتداءات البربرية وإثارة الفتن الدينية والطائفية والمذهبية والطبقية والإرهابية.
وفي شكل لافت للنظر أصبحت الرياضة أيضاً، وخاصة كرة القدم، من ضمن مجالاته الاستثمارية غير المشروعة، وأيضاً من ضمن اهتمام واستثمار الدول الدكتاتورية الظالمة لشعوبها، والتي تستخدم كرة القدم كأداة تخدير وإبعاد الجماهير عن القضايا المصيرية والهامة، وأصبح الاهتمام ينصب على كرة القدم دون غيرها من المجالات والموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية، وخاصة القضايا المتفجرة منها، كالعدوان المفتعل والحصار الخانق على بلدنا وجدية الهدنة والسلام والمعادلات البديلة للتوازن الإقليمي والدولي.
لقد هُزم المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي هذه الأيام أمام المجال الرياضي، وحان رحيلها عن الشاشات والأغلفة والصفحات الأولى والأخبار والعناوين الرئيسية التي بات يتصدرها ميسى ورونالدو وبيليه... وعن المقاعد الأمامية التي يحتلها عدد من النجوم الرياضيين والأبطال الإيجابيين الذين ابتعدوا عن المؤامرات الدنيئة واعتنقوا وعشقوا الرياضة واكتسبوا لدى أكثرية الجماهير بغض النظر عن جنسياتهم وأديانهم ومكانة الزعماء السياسيين والقادة، وأصبحوا هم القادة، لأنهم يتنافسون بجدارة الأبطال، ويحققون الانتصارات دون أن يسفكوا قطرة دم، وباستحقاق دون خداع أو تزييف أو استحواذ على حقوق الآخرين، محاطين بصفات النزاهة والتجرد وكأنهم فرسان الحرية الإنسانية المدافعون عن مقدسات القيم والأخلاق والتنافس الشريف والتأهيل بجدارة واستحقاق.
تلك الصفات جعلتنا نخضع لهيمنة كرة القدم ولجاذبيتها وجاذبية المعلق والمذيع بدلاً من جاذبية الشعارات السياسية المخادعة والمضللة والكاذبة. ويكفي أن نفهم الحدث عن طريق المراسل ومن موقع الحدث، والذي يدلي بشهاداته دون عبوس أو تجهم أو تعقيدات ودون تناقض. نشاهد الأحداث تصنع أمامنا دون تنبؤات ووعود كاذبة. نتابع ما نريد دون فرض أو وصاية أو توظيف للأحداث لمصلحة فريق دون آخر.

أترك تعليقاً

التعليقات