الغزو من الداخل
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -

الشعوب المناضلة التي صمدت في وجه العدوان الأمريكي والغزو الاقتصادي الامبريالي في كوبا، وإيران، وسوريا، وكوريا الشمالية، اعتمدت في نضالها بدرجة أساسية على حماية اقتصادها من الفساد والعبث بالمال العام.
 العدوان على اليمن ضمن ذلك المخطط الاستعماري، والغزو الامبريالي لقمع الثورة الإنسانية والمنعطف التاريخي للشعب اليمني وحقه في الحرية وفي الحياة الكريمة، وزحفه المقدس نحو الانعتاق النهائي من التسلط والوصاية والفساد، ثورة معيارها الاساسي تحرير المستضعفين من سيطرة الحاجة ورهن اقتصادهم ومستقبلهم للآخر.
 ثورة أيلول غاياتها تخليص اليمن من صناعة الجوع وصناعة العطش وصناعة الظلام، ووضع خطة اقتصادية لإفشال المحاولات الجارية الآن للغزو من الداخل بالتآكل التدريجي للاقتصاد عماد الثورة ودعامة مقاومتها وصمودها، وبدون اقتصاد لا يمكن الصمود والمقاومة وبناء الدولة القوية القادرة، ولا بد من ايقاف هذا الفساد الهائل والعبث بالمال العام والسرقة المنظمة للأصول الثابتة والسيولة النقدية في أغلب الوزارات والمؤسسات، من حثالة الفاسدين بقدراتهم التنظيمية وخبراتهم الإدارية المتراكمة والمكتسبة من خلال العهود السابقة الداعمة للفساد، تلك الفئة الضالة والفاسدة استطاعت أن تعمم الفساد في كل مرافق الدولة وتخريب واقتلاع هياكل الدولة.
الفساد أنشوطة تضغط على أعناق الدولة والمجتمع والاقتصاد، وتخنقها ببطء، مانعة أي تطور أو تقدم. الفساد يعرقل الاجراءات الثورية، ويدعم سياسة الغزو من الداخل، بتوسيع الفجوة القائمة بين الآمال الاقتصادية والاجتماعية للثورة من ناحية والواقع الاقتصادي المتردي من ناحية أخرى، ومحاولات العدوان المتكررة والمصرة على توسيع وتضخيم الفجوة الاقتصادية بمساندة السياسة الاقتصادية الحالية لحكومة الإنقاذ والتي تأخذ على عاتقها تسريع الانهيار الداخلي برتق الفجوات والأزمات والاختناقات بمسلة العدوان.
هناك دلائل كثيرة على أن العدوان يسعى لاحتواء الثورة من الداخل بالأزمات الاقتصادية، والحصارات، وبفجوات لا تردم بين أمال الناس البسطاء والمستضعفين وواقعهم الأكثر مرارة وشقاوة، يعشيون في شروط لا تكفي لوصفها كلمة البؤس نفسها. تلك الفجوات كانت في الماضي تردم بالثورات الاجتماعية والسياسية، والمخطط الأمريكي اليوم يسعى إلى ردمها بالاحتواء، والحروب الأهلية وبالتآكل الداخلي والانفجار داخل طنجرة الضغط الداخلي. وتظل الثورة مرتدة نحو الداخل باستمرار لكي لا تمتد إلى الخارج وتهدد المصالح الأمريكية والغرب الامبريالي، لذا تشجع أمريكا والغرب الحروب الأهلية وسياسة الاحتواء والتآكل الاقتصادي التدريجي والغزو من الداخل بمخططات ترمي إلى التخلص من شعوب تعتبرها فائضة الآن عن حاجة النظام الامبريالي المتوحش، ولو على حساب "الأخلاق والمبادئ المثالية". 
المخطط الامبريالي يسعى لموت وافناء الشعوب المقهورة باحتواء الثورات، ومنع اندلاع الصراع الحقيقي بين أغنياء العالم وفقرائه، كما حصل لثورة الشباب 2011 واحتوائها بالمبادرة الخليجية، فالنضال ضد العدوان يمر عبر تنظيف الجبهة الداخلية من الفساد والعبث بالمال العام والتخلص من أولئك الذين تسلقوا الثورة والسلطة ويتمتعون بتأييدها ثم نكثوا بهذا التأييد وبالأسباب التي قام عليها ليفرضوا سلطتهم الشخصية، ويستبدلوا طموحات الناس بطموحاتهم الفردية، وقد أفضى ذلك بالضرورة إلى بروز نتوءات في بنية السلطة الثورية الشعبية، التي من مهامها الأساسية إرساء قواعد نظام قائم على احترام الإنسان وحقوقه.

أترك تعليقاً

التعليقات