المواطنة.. والأنظمة القمعية
 

طاهر علوان

لم تصل الشعوب العربية في جميع مراحل نضالها لإثبات حقوقها السياسية في معارضة الحاكم، وحقها في الأمن والاستقرار وحرية التفكير، واستخدام العقل بكل الأبعاد دون قيود، ودون إرهاب فكري أو مادي، وممارسة تلك الحقوق بصورة لا يجرؤ الحاكم على مسها، فضلاً عن تقييدها، ولم تكن هناك مرحلة واحدة أثبتت فيها الأنظمة العربية الاستبدادية حق المواطنة المتساوية، أنظمة قمعية زرعت الخوف والرعب في أعماق الإنسان العربي، وجعلته مشلول الإرادة معاقاً فكرياً، غير قادر على النطق بما يجول في أعماقه، خصوصاً فئة المثقفين، وإذا حدث ونطق أحدهم بما يجول في فكره، فمصيره (خلف الشمس)، وعرضة لأمور تترفع عنها الحيوانات المتوحشة في الغابات، هذا الإنسان العربي المرعوب والمشتت والمسلوب الإرادة كيف يمكن له أن يقتحم الحياة والمستقبل ويحقق الإنجازات وهو لا يملك الحرية بدون ثقة بالنفس وبدون حماية اجتماعية، واعتماد أنظمته في جميع مجالات الحياة على التبعية للبترودولار، قطيع يطيع وينفذ دون اعتراض أو تململ، أنظمة لا تملك الاستقلالية والتسيير الذاتي عبر تخطيط وبرامج لا يمكن أن تتطور نحو الأفضل نحو التقدم العلمي أو التطور التكنولوجي، أغلب المجتمعات العربية بأحزابها ومنظماتها لا تتحرك أو تفكر إلا إذا سمح لها الحاكم بذلك، مجتمعات تعطي كل الصفات الحسنة للحاكم الرمز الزعيم القائد المفكر، كل المشاريع الخيرية والمؤسسات الاقتصادية المنتجة والشوارع الواسعة النظيفة ودور العبادة الضخمة والحدائق الجميلة باسمه، يعين من يراه مناسباً لرأيه وأكثر موالاة لنظامه وحزبه في أعلى المراتب، حتى لو كان الجهل بذاته، يغلق بجرة قلم المؤسسات والوزارات إذا لم يعجبه الحال أو يكون معكر المزاج، ولا تجرؤ أية جهة على مساءلته.
كيف يمكن أن نطالب مواطناً جاهلاً عجنته وشكلته الأنظمة على الطاعة والاستكانة، وألا ينطق كلمة (لا)، وتعمدت أن يظل متخلفاً معادياً لكل الثقافات؛ للسينما، للمسرح، للكتاب.. كيف لنا أن نطالبه باقتحام المستقبل وهو أسير حاضر سيئ تتضافر كل الظروف لاغتيال شخصه وفكره وإنسانيته؟ هل يمكن إنكار سجون الأمن الوطني، والقومي، والقلعة، وسجون ما تحت الأرض التي كانت ممتلئة بالكثير من المعارضين للسلطة من خيرة وصفوة المثقفين الثوريين فرسان الموقف والكلمة، لا كهنة السلطة الفئة المستعدة دائماً لخدمة أي سلطة وتركب أية سلطة، في أي عهد وأي نظام، والتي آثرت الكراسي الوثيرة في المناصب الرسمية، ففضلت التواطؤ وسياسة الصمت إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً؟ هل يمكن الاعتماد على تلك الصفوة من المثقفين الذين حصلوا على الشهادات العالية والمكانة العلمية على حساب دماء الشعوب العربية الكادحة، ثم لم يترددوا لحظة واحدة في تسخير علمهم وثقافاتهم لخدمة السلطة وضد شعوبهم من خلال وضع القوانين والوسائل المختلفة لخنق الحريات والتضييق على المثقفين الثوريين الوطنيين، والذين يصنفون في خانة المعارضة؟! 
اقتحام الحياة والمستقبل يتطلب قبل كل شيء اقتحام الحاضر السيئ التعيس، وعندما نستطيع أن نصل إلى المرحلة التي يكون فكرنا فيها رهن إرادة الأمة لا إرادة الحاكم، عندها فقط نستطيع أن نقتحم المستقبل والمستحيل أيضاً، ونرفض أنظمة البترودولار وعدوانهم، ونصمد الصمود الأسطوري.

أترك تعليقاً

التعليقات