تعز وثورة الجياع
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -

تعز الحالمة ترفض العدوان والتحالف السعودي والإماراتي والحصار وسياسة التجويع، وتطالب برحيل الاحتلال وجميع الذين غرقوا بالتآمر عليها وتعاقبوا على إدارتها أو حمايتها أو الاحتماء بها أو النطق باسمها منذ بداية العدوان الظالم وحتى يومنا. تعز تعاني اليوم الجوع وشلل الاحتضار، وتنادي جميع القيادات الوطنية من كل صوب لإنقاذها، فالأزمة الراهنة ليست أزمة خاصة بتعز وطارئة وعابرة. إنها استراتيجيات أوسع شمولاً وأشد فتكاً، فما من وسيلة أخرى أبداً لدرء الخطر سوى التعبئة العامة، تعبئة شعبية ورسمية، ومن خلال الاستنفار سنصل منطقياً إلى مهمة وطنية طال تأجيلها، وهي مواجهة العناصر الجزئية المكونة للمؤامرة الأم، مخاطر التدمير والتفتيت والذوبان، والتخلص من العفونة والقتلة والمرتزقة الذين يديرون الموت في تعز، ولاسيما حين يمضي القتل في تعميم نفسه بين مؤيديه ورافضيه على السواء. وعندما يكون هذا هو المشهد فإن الموت والنهب والجوع لن يكتفوا بإدارة تعز وحسب، بل سيديرون كل المناطق المحتلة، كي يصلوا إلى آخر زاوية حدودية من زوايا وطننا.
تعز الحالمة مهددة بالموت والجوع والبلطجة، ومع ذلك لم تتيبس شرايينها ولم يذبل فيها نبض الحياة الفوارة، ولم تهجرها القدرات والكفاءات، ولم يتوقف دورها كعاصمة للثقافة والفن، بسبب عطل طارئ في جهازها الإبداعي نتيجة عدوان همجي وحصار اقتصادي واستهتار سياسي وغياب الضمير، وأثبتت تعز بصمودها أنها زهرة المدائن وأم العواصم، ونشاطها الثقافي والتنويري لم يتوقف ولم تصب بحالة من الجمود تحت دوي القصف واقتتال كتائب الموت والعصابات الهمجية والتشويه المتعمد لتاريخ المدينة الحالمة والجميلة والغنية والساحرة. وما أروع وقفتها في وجه تلك الزوابع والعواصف! أثبتت الحالمة جدارتها بالبقاء كمدينة ثقافية حضارية دون أن تترهل أو تشيخ بفعل العدوان، وها هي الآن تحاول استعادة مركزها وتنهض من تحت ركام الزيف والهمجية، لتعود من تحت الرماد منارة حقيقية للعلم والثقافة والأدب والفن والإبداع والفكر والحريات، وتفشل خطة العدوان لإخضاعها وتركيعها وتدميرها لتصبح مدينة الرعب وغابة من الوحوش يتركز فيها الموت البطيء، والانتحار البطيء، والنحر البطيء. لقد عجزت كل المحاولات الخبيثة والمؤامرات المبنية على عقد لئيم بين المحتل وحلفائه في الداخل والمشدودين فيما بينهم برباط التوافق على قتل أمة بكاملها وإلهائها عن المأساة والكارثة والهجمة الكبرى والعدوان الذي شن على شعبنا من شماله إلى جنوبه، ولم يستطع المحتل إيقاف صرخة الرفض التي خرجت في كل الشوارع والساحات والشرفات تريد أن تتنفس هواء الحرية وتستبشر بزوال الكابوس وترفض التحالف و"الشرعية" المتخمة حتى الموت وتعز الجائعة حتى الموت، خرج الشباب والشيوخ والنساء حاملين هوية وأوجاع أمة بكاملها. خرجوا من أجل أن تبقى قضية التحرير مضيئة. خرجوا من أجل الكرامة ولقمة العيش المسلوبة وضد سياسة الموت جوعاً. خرجوا هكذا من غير حكومة، من غير زعيم، من غير قائد عام، من غير حزب، من غير أي وصاية أو جهة نخبوية تدير حركتهم ونضالهم وتستغل جوعهم. لقد تولدت دوافعهم من جملة تراكمات تجمعت من القهر والفقر والجوع والبلطجة، من اليأس والاحتلال... فإذا بهذه التراكمات التي تخزنت تتفجر مثل حمم البركان.
ثورة الجياع هي ثورة معاناة أمة تكدح من أجل لقمة العيش والكرامة والحرية، وهي أكثر الثورات تعبيراً عن رفض حالة الفوضى والانفلات، وقفز الدولار على ظهور كل الفئات الاجتماعية، وارتفاع الأسعار والمنتوجات الاستهلاكية لتقضي على آخر ما تبقى من مدخراتهم، وإيقاف نهب المؤسسات التجارية والمصارف والمؤسسات الثقافية التي بدأت تذبل وتترنح وتصفر فيها الريح... 
حماكِ الله يا حالمة من عاديات الزمن في عودتك المباركة، ونريدك دائماً أن تظلي كذلك مدينتنا العريقة المناضلة الثائرة والساحرة. 

أترك تعليقاً

التعليقات