الإعلام الرسمي المشوه
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
الإعلام بشكل عام قوة فاعلة وحاسمة في تشكيل الرأي العام، وفاعلية مجتمعية مقتدرة تساهم في تغيير شروط اللعبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث تعتمد السلطات والأنظمة اعتمادا كبيرا على الإعلام وتحاول تقويته في إطار مساندته للسلطات والأنظمة، وهذا الاعتماد يفسر لنا توجه الدبابة الأولى في معظم الانقلابات إلى الإذاعة لاحتلالها والسيطرة عليها. وليس جديدا القول بالأثر الحاسم والفاعل للإعلام في ميدان القوى والصراعات، فالجهة التي تمتلك ثلاثية القوة العسكرية والاقتصادية والإعلامية، وتستخدم تلك الأسلحة بأداء محكم لتضليل الجماهير وقمع المعارضة، فإن خط الاستتباع والتضليل الرسمي سيبقى موصولاً بآفاقه المفتوحة، ليؤسس وقائع سلبية على هوية المجتمع وثقافته وقيمه الحضارية.
الإعلام الرسمي الذي نشهده اليوم هو إعلام لا يزال خارج منظومة القيم المنشودة، إعلام مشوه، وهو المسؤول عن الخطأ التاريخي في قتل فكرة الإنسان ونزعته للإبداع والتسامي، إعلام استباح ليس شرف الكلمة فحسب وإنما شرف المهنة ذاتها، إعلام يتعامل مع المتلقي وفقاً لقاعدة هرمية من أعلى إلى أسفل، وهذا هو النمط الاستهلاكي، نمط استخفافي يقوم على اعتبارية مسبقة عمادها جهالة الجمهور، بدلاً من اعتباره مشاركاً في التحليل والاستنتاج وتقويم المادة الإعلامية المرسلة إليه بالأصل.
إن الخبر الذي يغطي بالصورة والصوت أي حدث في أية بقعة من الكرة الأرضية، يصبح ملك المواطن الذي يتلقاه. ولهذا المواطن حرية فهمه وتفسيره، شرط أن يتوافر له نظام تقدمي إنساني حر، ومؤسسات ومجتمع مدني وصحف مستقلة تبين له الحدود الفاصلة بين الحقيقة والخداع الذي ينطوي عليه أي خبر.
الإعلام الرسمي لا يهتم بمشاعر الجمهور وتنمية مداركه وقدراته ووعيه، ولا يهتم أيضاً بالكفاءة المهنية والعلمية لدى قطاع واسع من العاملين في المؤسسات الإعلامية. ما يهمه هو معيار الولاء للسلطة، وهذه هي الأرضية التي يقوم عليها التوظيف والارتقاء. وبذلك أصبحت الصحف الرسمية مجرد منشورات، والإذاعة مكبر صوت، والتلفزيون صورة ناطقة لا غير، لذلك يشعر المرء بضمور القيم، بعد أن جرى تحويلها إلى قيم تجارية تبادلية وإدماجها بالسلطة ولمصلحة السلطة، ويصبح الذي يصل إلينا من فكر وثقافة وإعلام يصل مشوهاً ومعلباً وملفوفاً كنسيج عنكبوتي يمتد ويمتد، ليس بنفوذه فقط، وإنما أيضاً بأيديولوجيته ومطامعه المتلهفة لافتراس كل العقول، لذلك يفر الجمهور إلى وسائل الإعلام المعادية أو غير الصديقة، نتيجة ممارسة الإعلام الرسمي المشوهة، وفرض وصاية غريبة على المواطن؛ فوحدهم أدرى بما يصلح حاله ويقوم أمره! وحدهم أدرى بما يفيده وما يضره! هم أدرى باحتياجاته من نفسه وأقدر على تلبيته!... هذه الآلية من شأنها أن تخلق استلابا وتجعل المواطن ذا شخصية اعتمادية تفتقر إلى الحس النقدي.
إن من حق المواطن الحصول على المعلومات والمعارف، والاطلاع على تجارب الآخرين، والتعبير وإيصال الحقيقة للآخرين والاتصال بهم ومناقشتهم، والتأثير في القيادات الاجتماعية والسياسية بما يخدم الفرد والجماعة، أي أن الحق في الاتصال هو الحق في الديمقراطية وممارسة متطلباتها ومزاياها.
الإعلام بات علماً وفناً في عالم اليوم، يتداخل فيه التقني بالنفسي والسياسي والثقافي. ولا ينبغي أن نهمل ذلك أو نبرر غيابه؛ لأن الرسالة الإعلامية بمحتواها الأخلاقي لن تصل إلا إذا توفر فيها ذلك الترابط وبدون تشويه.

أترك تعليقاً

التعليقات