السينما.. والثورة (2)
 

طاهر علوان

السينما من أكثر الفنون رقياً وتأثيراً في المجتمعات، لما تحتويه من فنون متعددة كالإخراج، والتصوير، والسيناريو، والإضاءة، والموسيقى، والغناء، والرقص والمؤثرات الصوتية، وإمكانية التواصل الفعال مع قطاعات واسعة بمختلف الانتماءات السياسية والفئات الاجتماعية، مما جعل للسينما أهمية بالغة، خصوصاً في هذا العصر الذي يشهد ثورة تكنولوجية في وسائل الاتصال، والتي تضخم حجم تأثيراتها وتعمق الإحساس بمخاطرها على الخصائص المميزة للثقافة الوطنية، خاصة في غياب الوعي السينمائي والخلفية الثقافية للفئة المستهدفة في التأثير والتغيير، وهم فئة الشباب، هذا الغياب المتعمد أدى إلى تحول العملية الاتصالية إلى عملية تلقينية تسهل مهمة تسريب مختلف الثقافات الهابطة والهدامة، ولا يمكن للعامل الثقافي أن يقوم بدوره الوطني إذا لم نتمكن من استخدام وتسخير وسيلة السينما وتوظيفها لخدمة أهدافنا الثقافية الوطنية والاجتماعية، وتحقيق غاياتنا الإنسانية، أو على الأقل محاولة الحد من تأثيراتها السلبية بتهيئة الخلفية الثقافية والاجتماعية لاستيعابها، والتعامل معها تعاملاً واعياً وعلمياً.
إن تعاملنا في الفترات السابقة وتهافتنا على نوعية معينة من الأفلام الهابطة فنياً وذات مضمون هزيل يخدم أهداف المشروع الاستعماري وأدواته، تلك الأفلام أسهمت في تخلف وإعاقة وعينا، وثقافتنا، ومفاهيمنا، وعملت على تشويه الذوق الجمالي، وفتحت منافذ لثقافات لا تهدف إلى تغيير نمط حياتنا إلى الأفضل، بقدر ما تهدف إلى ربطنا بأسواقها وإغراقنا بمنتجاتها، والترويج لمشروعها وتوجهها السياسي والثقافي، واستهجان ثقافتنا الوطنية، ومعتقداتنا الروحية، وبالمقابل تجميل واقعها ونظامها الاستغلالي، والذي وصل إلى درجة مذهلة من التطور الصناعي والتكنولوجي، وأيضاً إلى درجة مذهلة من الانحطاط السياسي والإسفاف الأخلاقي. 
إرساء صناعة سينمائية يمنية مرتبطة بخصائصنا، وتعكس واقعنا الاجتماعي وهمومنا الثقافية والسياسية، وتخاطب عقولنا لا غرائزنا، مطلب ملح لا يقبل التسويف، وهذا الهم الثقافي والسياسي منوط بالقيادة الثورية السند الحقيقي لقيام سينما وطنية بمفاهيم ثورية وأخلاقية، وقيم جمالية، وثقافة إنسانية شاملة تواكب العصر، وتكون رافداً ثقافياً حقيقياً نابعاً من تربة هذا الوطن، وثمرة من ثمار الثورة المباركة، وستكون السينما وفاء لهذا الأصل الذي نمت منه، وللمبادئ والقيم التي أوحت لهذا الغرس أن يرى النور، وتؤهل بلادنا دخول عالم السينما الرحب والجميل.
وتعتبر بلادنا بما تملكه من خصائص طبيعية، ومواقع جغرافية متميزة، وتوافر الشروط الموضوعية والعناصر الأساسية المكملة للإنتاج السينمائي من تواجد الشمس المستمر على مدار اليوم، والتنوع المتكامل، من بحر بسواحله الذهبية، وجبال بمدرجاتها الزراعية، وسهول ووديان متعددة ومتنوعة، إضافة إلى تعدد الثقافات المختلفة، والرقصات، والغناء، والتمايز في الملبس والشكل والملامح للإنسان اليمني من منطقة إلى أخرى، وتنوع الفن المعماري وجماليات الشكل الهندسي من محافظة إلى أخرى، كل تلك المواصفات المتعددة والغنية والمعطيات الطبيعية تساعد على الإنتاج السينمائي، والتصوير في أية لحظة، وتقلل من تكاليف الإنتاج والسفر من بلد إلى آخر بحثاً عن تلك المواصفات، إضافة إلى رخص القوى العاملة والحياة المعيشية بشكل عام، تلك المعطيات والمواصفات النادرة تؤهل اليمن بأن تكون موقعاً هاماً لتصوير الأفلام السينمائية العالمية، ولم يعد ممكناً استبعاد السينما عن المعركة السياسية والحياة العامة لاعتبار السينما أعظم مؤرخ اجتماعي وسياسي في عصرنا لصلتها مع جميع عناصر الحياة.

أترك تعليقاً

التعليقات