طاهر علوان

طاهر الزريقي / لا ميديا -
فيلم «ثورة اليمن» أنتج في ظل أوضاع أمنية استثنائية وظرف تاريخي مشحون بالتوتر السياسي والتحولات الاجتماعية، وفي اتجاه متطرف جداً لسلطة المخابرات المصرية بقيادة صلاح نصر، السلطة الفعلية التي كانت الحاكمة والمتمكنة والمسيطرة على جميع مجالات الحياة في مصر، بما فيها مجال السينما، سلطة قادت مصر إلى هزيمة لا تليق بها وبدون حرب حقيقية. 
تلك الأوضاع انعكست سلباً وبشكل مباشر على إنتاج فيلم «ثورة اليمن» المتفوق بامتياز في السذاجة والسماجة والابتذال، وبكل المقاييس الفنية والموضوعية الهابطة، سطحي المضمون والشكل، هزيل فنياً وسياسياً وتاريخياً، حوادثه تروى على طريقة «الحواديت» الطفولية الساذجة بخيوطها الفنية ومواقفها الميلودرامية، فيلم فاقد للحياة والحيوية، كل أبطاله مشوهون، وكل شخصياته فجة وغير إنسانية، وأحداثه ضحك على الذقون، معزول عن كل المفاهيم واستعراض طفولي للأحداث لا يساوي شيئاً من الناحية الفنية والسياسية، غياب في المنهجية والتخطيط، «هوشلية» وجهل للواقع، والشخصيات أشبه بالدمي تفتقد للصدق والحياة.
فيلم «ثورة اليمن» لا يمتلك الحس الفني والمشروع الإنساني، مباشر وضد الفن والسياسة والعقل والمنطق والوجدان والمشاعر، تصل فيه الخشونة والوحشية حد شرعنة القتل واستباحة العقل وتشويه حضارة أمة بكاملها وتزييف حقائق هامة من تاريخنا، لم يرق إلى المستوى الفني المطلوب، تفتقد الصورة للشفافية وتخلو من العمق ومحرومة من الأبعاد الإنسانية والاجتماعية، وتهمل تماماً وبمتعمد الجانب التاريخي الحضاري للشعب اليمني، رغم أهميته في النسيج الدرامي، حيث جاءت المواقف والشخصيات وكأنها مركبة على شريط الفيلم تركيباً، شخصيات باهتة جداً بينما هي في واقع الأمر تكتسي أهمية بالغة.
وقد تمثلت عبقرية المخرج في كونه استطاع أن يسخر من الشعب اليمني، وأن يطمس معالم شخصية الإمام أحمد وإظهاره بتلك الصورة البشعة والساذجة والطفولية والسخرية الغليظة، وهو العالم في الأمور الدينية والتشريعية، والعسكري والسياسي المحنك الذي استطاع أن يصمد أمام الاستعمار البريطاني والسعودي طوال فترة حكمه دون احتلال أو وصاية سياسية، ويقود تحرير البلاد من التبعية السياسية والاقتصادية. لم توفق عبقرية المخرج في تجسيد شخصية الإمام أحمد. وبالرغم من حشد كل ما تعلمه وفهمه من فن السينما لم يستطع أن يبهر المشاهد بتلك اللقطات الطفولية، فكانت الشخصية باهتة، رديئة البناء الدرامي، مسطحة الملامح إلى أبعد الحدود، هزيلة الأبعاد والمعنى.
فيلم «ثورة اليمن» بشكل عام لم يكن انعكاساً للواقع، ولا اقتباساً من التراث، ولا من الأوضاع الاجتماعية، ولا من صورة الإنسان وإشراق السماء وخير الأرض ومخزون الذاكرة الشعبية الحية لكي يكون المضمون أصيلاً نابعاً من الوجدان والواقع، وليس ممسوخاً لنزوة شخص أو نظام سياسي عابر يريد أن يبرز تأثيره في التغيرات السياسية والاجتماعية التي حصلت في اليمن، فالفيلم لا يحقق تلك الأهداف، لأنه يقف عند السطح، لتقع الشخصيات في أسر النمطية الباهتة و»الحدوتة» الهزيلة والأحداث المسطحة التي تملأ مشاهد الفيلم هزلاً وتهريجاً وابتذالاً في الشكل والمضمون معاً، حيث تشير إلى أن صُناعه لم يختاروا معالجة قضية الصراع الاجتماعي والطبقي والسياسي، لأنهم يؤمنون حقاً بالجذور الطبيعية للصراع الطبقي، وإنما لأنهم يريدون إبراز النظام المصري كقوة مؤثرة في صنع التحولات السياسية والاجتماعية. وجاءت المعالجات الموضوعية والفنية أيضاً هزيلة ومسطحة إلى أبعد الحدود تشبه حكايات الأطفال. والأكثر خطورة في الفيلم محاولته البائسة إثارة عواطفنا مع أحداثه وإقناعنا بأننا كنا عبيداً للأمام.
فيلم «ثورة اليمن» لا يعبر إلا عن تلك الفئة المتوحشة التي سيطرت على السلطة في مصر واختارت أن تكون خلاصة للعصور الهمجية، وأُفرغ تماماً من مضمونة الاجتماعي والسياسي والتاريخي والبناء الدرامي المتماسك والقدرة على صياغة رؤية واضحة للأحداث والشخصيات والمواقف فبدا الفيلم وكأنه ليس أكثر من تمرين على العمل السينمائي تفنن المخرج في التعبير عن سطحيته واستعراض سخافة مضمون الفيلم. أما الشكل الفني فحدث عن «البحر - بحر»، الرداءة والإسفاف والهزل، ولا حرج، فالعمليات التقنية الفنية كانت مجرد نقل لبعض الجمل والأفعال والحركات المفتعلة إلى صور ليست سينمائية بأي حال من الأحوال، إذا اعتبرنا أن السينما عبارة عن صور في حركة فإن ثبات الكاميرا أضفت على الصور طابعاً من الجمود يعكس ما يختلج في عقول تلك المجموعة من حالة الجمود والتعفن وضحالة التفكير والتقوقع في الدهاليز المظلمة والنظرة إلى السينما على أنها مجرد وسيلة للتشويه والابتذال وليس وسيلة للمعرفة والثقافة وقول الحقيقة؛ حقيقة الإنسان والتعبير عن مشاعره وأحاسيسه ومعاناته، فموضوع السينما الأساسي هو الإنسان وتنمية ثقافته ووجدانه وتحريك مشاعره نحو الود والحب والخير، أو العكس نحو الكراهية والحقد والإسفاف، فالفن شأنه شأن العلم في استطاعته أن يحرر الإنسان أو أن يدمره.
فيلم «ثورة اليمن» استطاع بطاقمه المخابراتي وبموجب قواعد وقوانين المهزلة والانحطاط والسخرية والابتذال والتدمير أن يحول الثورة التي لم تكن بالنسبة لهم تعني الحياة والتآخي، بل كانت تعني الموت والتدمير والعبث بالممتلكات والعقول والمشاعر وتشويه الحقائق، تلك كانت المهمة الخبيثة التي طرحت على طاقم إنتاج فيلم «ثورة اليمن».

أترك تعليقاً

التعليقات