العدو التاريخي
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
في مثل هذه المساحة الضيقة لا نستطيع أن نفتح صفحة التاريخ، الذي هو العلم الوحيد الذي نعرفه ونعترف به، فالتاريخ يؤكد عدوانية مملكة الشر السعودية، ولسنا بحاجة إلى أن نورد الأرقام والإحصائيات حتى نتأكد من أن ما نراه الآن ليس أكثر مما يسمى «تحصيل حاصل»، وأن السعودية هي صانعة الحروب والغدر والخيانة، وهي التي ترتكب يومياً أفظع الجرائم والقتل والقصف والبطش وسياسة التجويع وأبشع أشكال الإبادة التي عرفها التاريخ.
ولكن، لماذا تعلو الدهشة وجوه البعض عندما يسمعون من يقول إن مملكة الشر السعودية هي العدو التاريخي الأول لليمن، قبل ظهور الإمبراطورية الأمريكية كقوة عظمى وتنامي قوتها ودورها الإقليمي؟!
أمريكا وبريطانيا مجرد تجار حروب ومصالح، وهم صانعو تلك الكيانات العربية الهزيلة، والمتربصون للانقضاض علينا متى حانت الفرصة، لا يهتمون بمصالح مملكة الشر السعودية، ولا تعثر وتجويع وإبادة الشعب اليمني بأكمله، ولا بالجوانب الإنسانية؛ لأن الاهتمام الأول والأخير هو بمصالحهم وتواجدهم العسكري والاقتصادي في المنطقة. والسعودية هي المعتدي الفعلي والرئيسي والمنفذ والممول والمحرض للتحالفات الكونية، والسمسار المسوق للسياسة الغربية ولجميع أنواع الأسلحة في بازارات الأمن الإقليمي، وتتسلل من ثقوب النزاعات الإقليمية لتدعي أن لها إتاوة شرعية في التسويات السياسية المرتقبة وحامية السلام وأمن المنطقة.
الآن تحاول مملكة الشر السعودية، بعد أن فشلت بعدوانها العسكري في أن تفرض الهدنة والسلام الزائف، أن تجعلنا نعيش حالة اللاحرب واللاسلم، وأن تجعل صمودنا ومقاومتنا ونضالنا وانتصاراتنا، وكل الأفعال والكلمات الثورية المفعمة بالجرأة والمليئة بدلالات الانتماء والحرية والحقوق والواجبات والالتزام بحقوق الناس والنضال، مجرد كلمات بلا معنى ولا تأثير ولا ملامح، وأن تغير الثورة: أهدافها والمعنى الوحيد لوجودها، وأن تتمكن -تحت دفع الأزمة وتحولاتها- من تغيير معنانا، وألا ننجر للأمل الضامن الوحيد لاستمرارنا، هذا الاستمرار الذي لن نحظى به ما لم ندفع إلى المقدمة أسئلتنا عن معنى الإنسان ومعنى وجوده ودوره.
بصراحة: نعم، لقد ابتعدنا عن سطح الأحداث بموافقتنا على الهدنة الزائفة ولمصلحة العدو؛ ولكننا فعلنا ما فعلناه من دون أدنى استخفاف بأيٍّ كان، بل دون دهاء سياسي، فمثل هذه النباهات الديناصورية قد ولى عهدها منذ أمد بعيد جداً، وإن جوهر القضية لا يحتمل التجبير أو المهدئات، فلننظر جيداً إلى المشهد اليومي الدامي في ظل الهدنة والتهدئة، لنمعن التأمل وسنلاحظ أن الهدنة لا وجود لها، وأنها حماية للعدو التاريخي، وأن كل شيء قد جرى ترتيبه وفق خطة محكمة.
إن أعنف الخطابات لن يفك أسر المواقف التي كانت ومازالت محكومة بذلك الترتيب. وعلى كل حال، نحن من يمتلك الإرادة الشعبية وقدرتها على إفشال المؤامرات والمناورات، وأيضاً أن تكون أقوى من الاستسلام وأعظم تعملقاً على أشكاله ورموزه.
إن صمودنا ضد العدو التاريخي هو المحدد لصيرورتنا في المدى المنظور والمتوسط، واعتمادنا على سلاحنا وقوتنا الجوية يحدد اتجاه الخط البياني نحو الصعود والتحرر الذي أسست له انتصاراتنا واتجاهات التحديث وبناء المجتمع المدني الديمقراطي المتطور.
وما يدعو إلى التفاؤل هو صمود شعبنا، وتحمله لكل الصعاب والجوع والمرض، وإيمانه الذي لا يتزعزع بأن الفعل الثوري الذي بدأ لن يعود إلى الخلف، وأن الثورة تملك حكماً مقومات الاستمرار الذاتية من حيث قابليتها للتطور النوعي.

أترك تعليقاً

التعليقات