جنون الشيطان الأكبر
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبحت أمريكا القوة العظمى الوحيدة والمرفوضة من غالبية الدول الكبرى العاجزة عن الوقوف في وجهها والحد من سيطرتها وغطرستها ووحشيتها المتنامية حول العالم، ومن ضمن تلك الغطرسة والبلطجة العقوبات الجديدة على إيران بتوقيف صادراتها النفطية تماماً اعتباراً من شهر مايو. واشنطن أصبحت تتدخل في كل كبيرة وصغيرة، حتى في تحديد حجم إنتاج الدول للنفط، ومن يحق له الشراء ومن يحق له البيع ومن يستحق العقوبات ومن يستحق حمايتها طبعاً مقابل الإتاوة المالية... جنون حقيقي للسلطة الإجرامية الأمريكية. عبث واختراقات واستهتار بحقوق الآخرين.
 ان ما تمارسه الإدارة الأمريكية القائمة من طغيان حول العالم، وتفرد في الرأي، جعل منها قوة مرفوضة ومكروهة من الأغلبية في الداخل والخارج. لكن ما يثير الدهشة أن هذه الدولة المارقة لا تعير أدنى اهتمام لمن يرفضها، أكانوا من حلفائها أم المعارضين لها. السياسة الأمريكية الراهنة تواجه جبهة رفض ومقاومة عالمية لم يسبق أن تعرضت لها واشنطن من قبل، لكنها تستمر في كونها القوة الوحيدة والأعظم. وبرغم ذلك من المستحيل ارغام الدول كلها على التوقف عن شراء النفط الإيراني، فقد اعترضت الصين وتركيا وأعلنتا أنهما ستستمران بشراء النفط الإيراني. الصين وتركيا تستوردان نصف اجمالي صادرات النفط الإيراني.
النفط ليس المصدر الوحيد للدخل الايراني كما هو الحال في السعودية والإمارات ودول الخليج، ولا يشكل نسبة عالية جداً من حجم صادراتها. صحيح أن العقوبات الجديدة ستكون لها تأثيرات واضحة على البنية الاقتصادية الإيرانية، لكنها تتجه عاماً بعد عام لتحقيق اقتصاد لا يعتمد على النفط، وتعزيز الاكتفاء الذاتي وصناعة نموذج اقتصادي يمكنها من إنهاء الاعتماد على النفط، اقتصاد يستطيع أن يصمد أمام الضغوطات الخارجية بناء على ما يعرف في إيران بنظرية الاقتصاد المقاوم.
 منذ قيام الثورة الإسلامية وإيران تنتهج سياسة متوازنة في العلاقات بدول الجوار والقوى العالمية النافذة، وتتعامل بإيجابية مع قوانين التجارة العالمية، وأبرمت اتفاقات مصالحة مع الخصوم، كالسعودية ومصر، وأسست علاقات جوار مريحة مع دول منطقة الخليج، هذه المنطقة التي تشكل الاهتمام الاستراتيجي الكبير لإيران، لأنها تحتل الموقع الأكثر أهمية بالنسبة لأسواق النفط الدولية، كما هو الأساس للاستقرار في البلاد. كما انتهجت سياسة خارجية تعتمد على الارتباط والتكامل مع المجتمع الدولي ومع مؤسسات وقوى دولية هامة كالاتحاد الأوروبي ودول الخليج وروسيا والصين.
إلا أن تصاعد لهجة التهديدات الأمريكية المتمادية تجاه طهران رغم ما أبدته من مرونة حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية وخاصة الحملة الأمريكية "الإسرائيلية" على البرنامج النووي وما حصل من اختلالات وتراجعات وعرقلة جميع الاتفاقيات التي أبرمت مع أمريكا بالشأن النووي، مما جعل القيادة الإيرانية تتشبث أكثر بالجنوح نحو النزوع النووي، خاصة ولأن إيران محاطة بست قوى نووية مجاورة لها عسكرياً من أصل ثمانٍ في العالم، وبالتالي لا يوجد سبب أخلاقي يجعل إيران أقل أهلية من تلك الدول لامتلاك أسلحة نووية. 
التخوف الأمريكي ليس من برنامج إيران النووي الذي في الواقع ليس إلا ذريعة لابتزاز إيران. التخوف الحقيقي من قدرة إيران على تطوير برنامجها الصاروخي، السلاح الحاسم في الحروب القادمة، وأيضاً من موقعها الجغرافي في الخليج ومضيق هرمز.

أترك تعليقاً

التعليقات