الذي يأتي ولا يأتي
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
اجتماعات ولقاءات مستمرة ووساطات عاجلة، وبيانات رسمية أشد خفوتاً من صمت الاحتضار، وأخبار عابرة وسريعة ومبعثرة عن المسار الذي تسير عليه حرب الحصارات المجردة من الثقوب كي تبني موتنا التدريجي عليها، والوحشة تزداد يوماً بعد يوم، ويضنينا القلق لغياب الذي يأتي ولا يأتي لغياب الرواتب الضالة.
لقد صمدنا وحملنا كد ونكد السنين وتعب العمر ومستقبلنا المستباح والتعنت والتآكل الاقتصادي والإصرار على استهلاكنا واستهلاك الوقت، والعبث بمصيرنا ومصير أطفالنا بالخنق الاقتصادي والاختناقات المدمرة، وإخراس حقوقنا وتقطيع أوصالنا قطعة قطعة...
مرحلة ظلامية تهيب بنا أن نزحف إلى قبورنا زحفاً سريعاً وقبل فوات الأوان، بل وقبل فوات الأمكنة. مرحلة أبعد من أن تكون امتدادا لانتصاراتنا وتفوقنا في المعارك والجبهات الأمامية وعلى حساب الذين يدفعون من لحمهم ودمهم أثماناً باهظة لدرء مصير مشؤوم لا ينتظرهم لوحدهم، بل ينتظرنا جمعياً.
حالة من الركود السياسي والعسكري والاقتصادي، لا حرب ولا سلام، حالات تتدخل بقوة لكبحنا وتدفعنا للانصياع للأوهام والريبة والشك من خياراتنا، وهل ما زالت تحت السيطرة ترفض العيش في الوحل وترش اللحظات التاريخية بآمال كاذبة ومخادعة وضبابية تثير الحزن والكآبة؟! مرحلة أعطت الهدنة والسلام لهم، وأما الحصار والجوع والقتل والتشتت والقصف والدمار فكان من نصيبنا.
كيانات تبحث عن أماكن أخرى لخواتمها، تبحث عن مخرج لكي لا تغرق في صورة الهزيمة ومضمون نهاياتها التعيسة والحتمية. هذا ما جعلها تبتكر أشكالاً جديدة من أشكال العمل السياسي، لعبة جديدة معلقة في الهواء، فعلا سياسيا محكوما بالشك والريبة وانعدام التوازن، وأفكارا مموهة محتالة ومبتورة لتشكل صيغاً وصوراً تراجعية مرتهنة بإرادة العدو.
إن الحوار مع صانع الحروب والعدوان، المسكون بأساليب الغدر والخيانة، مع عقلية استعمارية احتلالية تمثل أصفق وأبشع شكل من أشكال الإبادة التي عرفها العالم، لا يمكن أن تستوي، عدو ليس له علاقة بأبجدية الطهارة وكرامة الإنسان.
إن الذين يريدون الدخول في غمرة التغيير الجذري الذي يقود وحده إلى النصر المبين عليهم أن يمزقوا شرنقة الوهم والحوارات العبثية والهدنة المخادعة والأساليب الملتوية؛ لأنها لن تحرر أرضاً أو تنهي عدواناً أو تصون كرامة أو تغني من جوع.
لقد استجمع العدو مجهوده وسلاحه واقتصاده وحقده الدفين مرة واحدة ودفعة واحدة كي لا تستجمع الثورة أنفاسها، ولكي لا تدع لأفكارها فرصة الانتشار، ولكي تغدو أسيرة أزماتها، ولكي تتسم أكثر فأكثر بالدرامية المأساوية من جراء خروجها عن الوصاية والسيطرة. إرادتنا لا تجير ولا تستجيب لغير ما هو حر، ولا تكدس أهدافاً بلا معنى، إرادة تتلاشى أمام قوتها كل التهديدات والمناورات.

أترك تعليقاً

التعليقات