شجاعة القرار الاستراتيجي
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -

تصاعدت في الفترة الأخيرة وبشكل غير مسبوق عمليات المقاومة للمشروع الأمريكي في المنطقة والعالم. وأقل ما توصف به تلك العمليات أنها حاسمة وشجاعة لمحور المقاومة، ومهينة ومذلة ومؤلمة للإمبراطورية الأمريكية. ويبدو أن الإمبراطورية فقدت القدرة على الابتكار سياسياً وأصبحت تكرس نفس السيناريوهات الفاشلة: الحصار والعقوبات الاقتصادية, وتجميع عناصر المعارضة والمرتزقة، ومحاولات قلب نظام الحكم بأساليب مختلفة لمعاقبة الدول التي تتدعي أنها «مارقة» وغير مطيعة لسياستها الاحتكارية.
إيران استطاعت بقرارها الاستراتيجي، وإنجازها التاريخي، أن تكسر الحصار على فنزويلا وأن تنقل المعركة إلى قلب العدو الأمريكي، وإن الصمت على جرائم النظام القمعي العنصري، سياسة الرعونة، غطرسة ترامب وتبجحه، لم يعد ممكناً، وليس من حل للخروج من المستنقع الأمريكي سوى المقاومة وإشهار التحدي للإمبراطورية. طهران وكراكاس قالتا: لا للحصار الأمريكي الجائر، نيابة عن العالم. إيران أجبرت ترامب على ابتلاع تهديداته، وأعلنت رفض الحصار والعقوبات الاقتصادية، وعدم التنازل عن الحقوق المشروعة لإيران، ولا عن حق أي بلد مقاوم، «إن أردت السلام عليك الاستعداد للحرب».
فكان التوجه إلى الكاريبي لزيادة جرعة التحدي. طهران لا تهاب واشنطن، وتهديداتها لعبت دوراً في لجم الإجراءات الأمريكية والتراجع عن اعتراض الخمس الناقلات الإيرانية. إيران أظهرت أن الإمبراطورية الأمريكية نمر من ورق وعلى درجة عالية من الهشاشة والتبجح الكاذب، هذا الانعطاف التاريخي من شأنه أن ينطوي على متغيرات استراتيجية عظمية الأهمية وبعيدة المدى، بالرغم من محاولات الأنظمة العربية الرجعية (أدوات الغرب) محاصرة هذا التحول بهدف إجهاضه، لكي تغدو الأنظمة المقاومة والمعادية للهيمنة الإمبريالية أسيرة لأزماتها وتتسم أكثر فأكثر بالدرامية المأساوية من جراء خروجها على الطاعة والسيطرة الغربية.
إصرار طهران على دعم حلفائها محور المقاومة في الوطن العربي والعالم لخلق مقاومة أممية تستطيع استيلاد مجتمعات عادلة لتأسيس أمم متحدة لا ينتسب إليها سوى الأحرار, وأيضاً استيلاد مجلس أمن لا يمارس فيه حق الفيتو إلا على أولئك الذين ينتابهم الحنين لعصر الاستعمار. لو أن إيران واليمن ومحور المقاومة العربية والإسلامية انتهجوا طريق الإسلام الذي يقاد بعقلية الوهابية الإرهابية ونهج وفكر مشيخات الخليج والسعودية كأن يصبح الشياطين من الملائكة لحظوا بمساعدات ودعم وحماية واسلحة الأنظمة الإمبريالية والصهيونية. أما وقد وضعوا مواقعهم ودورهم وفكرهم الإسلامي موضع الصدام مع الإمبريالية والصهيونية وأدواتهما في المنطقة فإنهم بذلك قد خالفوا توجيهات الدول الاستعمارية الكبرى التي تدعي محاربة الإرهاب من منظور محاربتها لكل ما هو شريف ومقاوم للهيمنة والمصالح الإمبريالية ولكل ما هو ضد النهب والانصياع.
إيران ومحور المقاومة ضد الإرهاب والعنف والعنصرية وممارسة إدارة ترامب المقامر والمفلس والذي يريد أن يرسخ في قناعاتنا أن البقاء والقانون للأقوى وأن من حق تلك القوة تدمير العالم الثالث وإخضاعه لمصالح واحتياجات النظام الأمريكي. السياسة الأمريكية خاضعة لعقدة العظمة التي تقوم على فكرة «نهاية التاريخ» و»صراع الحضارات» ومنطق القوة والغلبة، وصولاً إلى سيطرة قطبية أحادية على العالم, ومع ذلك فإن عظمة القوة تبرهن على عدم فاعلية هذه السياسة الخارجية في عالم متعدد الحضارات والهويات الثقافية المختلفة والتي لا توحدها أيديولوجيات القوة، وإنما منطق الاختلاف والتعدد، لاسيما عندما تفتقر سياسة دولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية إلى «منطق الدولة»، وتتعامل مع الدول الأخرى على أنها دول «مارقة» أو دول «شقية»، وهو توصيف لا توافق عليه حتى المكيافللية التي تفصل البعد السياسي عن البعد الأخلاقي باعتبار ضرورة الحاجة إلى الاعتراف بالآخر الخصم وتقدير قوته الحقيقية.

أترك تعليقاً

التعليقات