ترامب.. ونهاية الكيان الصهيوني
 

طاهر علوان

قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، هو العد العكسي لزوال إسرائيل ومشروعها (الامبراطورية الإسرائيلية)، إسرائيل الكبرى حلم الصهاينة. إن مصير إسرائيل قد بدأ بالانحسار، ودخل زمن الانفراط ومشوار تناقص إسرائيل التدريجي. الاعتراف الأمريكي في هذا الوقت بالذات يهدف إلى تحقيق الانتصارات الوهمية، والتعويض المعنوي للانهيارات والهزائم التي لحقت بمرتزقته ومشروعه في الوطن العربي، حيث تزداد قوة وانتصارات محور المقاومة والصمود في كل الجبهات والمحاور في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ويختل توازن القوى المعادية للشعوب العربية والقضية الفلسطينية، وتعجز قوة وهيمنة أمريكا الأسطورية على اجتراح المعجزات وتحقيق الانتصارات بإمكانياتها المهولة، وتقنيتها المتطورة، وأسلحتها الاستراتيجية، في إعادة الأمور إلى  نصابها كما تشتهي الأنظمة العربية الرجعية التابعة لها، ولا شك أن أول من شعر باختلال ميزان القوى لصالح محور المقاومة هي الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب الذي أعلن القرار المشؤوم بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، والذي يمثل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية والأمة العربية بشكل عام، ويعتبر من أخطر القرارات وأكثرها تأثيراً في أزمة الشرق الأوسط، وحصاداً غير موفق للسنوات العجاف من الرعاية الأمريكية لمبادرات السلام التي مكنت إسرائيل من المزيد من السيطرة والقوة والهيمنة، وأخيراً ابتلاع القدس وتهويدها برعاية أمريكية أيضاً.
إن الرهان على أمريكا كراعية للسلام، والارتكاز على نواياها الإنسانية معادلة مخالفة لمنطق التجارب والتاريخ، وعلى الأنظمة العربية الرسمية أن تراجع حساباتها ومواقفها، وأن تخرج من دائرة الظلام والسراب، وأن تواجه الحقيقة بردود أفعال إيجابية وقرارات واضحة. ما حدث لا يمكن اعتباره سوى تفريط من قبل تلك الأنظمة الرسمية، ونتيجة طبيعية لتبعيتها لأمريكا والمشروع الأمريكي، والخطوة التي أقدم عليها ترامب استهانة بتلك الأنظمة، وخروج فاضح عن القانون الدولي وعلى المواثيق والمعاهدات الدولية. هذا القرار لا ينبغي أن يمر مرور الكرام، وبالسهولة التي يتصورها ترامب، ويبني عليه مواقف واتجاهات سياسية، وبالتنسيق مع تلك الأنظمة العربية المتواطئة، والتي ستعلن قريباً قيام تحالف عربي -إسرائيلي بحجة محاربة إيران، والارتباط الكامل بمجمل السياسات الأمريكية بكل وضوح، وهنا يأتي دور المنظمات الحقوقية والحركات الوطنية ومحاور المقاومة في الوطن العربي، عليها أن تمارس دورها المطلوب والملح في فضح وتعرية هذا النهج والمخطط والمدافعين عنه والمتبنين له، وحشد الجماهير العربية ضده، وتوعيتها بخطورته على الأمة العربية، فلا يمكن القبول بأي عجز أو تهاون أو تراخٍ أو مبررات واهية في هذه المرحلة الحاسمة والمصيرية، والتواطؤ على حساب كرامة وسيادة الأمة العربية.
انحياز الإدارة الأمريكية لإسرائيل واستخدام الفيتو في مجلس الأمن، وقرار تثبيت القدس عاصمة لها لإدراك ترامب أن ليس من ثمن يدفعه مقابل هذا الانحياز لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في العلاقات الدبلوماسية، ولا حتى في الأخلاق، العلاقات الدولية أساسها حسابات وتقدير موازين القوى، وليس موازين الأوهام والأحلام والاستسلام، ومن الواضح أن ترامب والإدارة الأمريكية تلعب بالنار هذه المرة، فحجم القرار أكبر من أن يتخذه معتوه، ويطبقه نظام دموي عريق في الإجرام والقمع والإرهاب، هناك شعب بل شعوب تصنع أحداث التاريخ بالمدفع وطلقات الرصاص والحجارة، لتقيم دعائم العدل والحرية، وتشعل مصابيح مضيئة في تاريخ الأمة العربية، من أجل أن تبقى القدس صامدة في وجه العدوان، ومضيئة لا تنطفئ، وحاضنة لكل الأديان.

أترك تعليقاً

التعليقات