هكذا صمدت كوبا
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -

تمكنت الثورة الاشتراكية الكوبية من الإطاحة بنظام باتيستا في يناير 1959 لتصبح كوبا دولة تقدمية متطورة بنظامها الاشتراكي حتى يومنا، بينما سقطت معظم تلك النظم الاشتراكية. وتشبثت كوبا بنظامها الاشتراكي رغم الحصار الطويل الذي فرضته ديكتاتورية الإمبريالية الأمريكية على كوبا منذ أوائل الستينيات.
صمدت كوبا بقوة إرادة شعبها وتصميم قائدها فيدل كاسترو على مواقفه. تشبثت كوبا، المتاخمة لحدود أعتى ديكتاتورية في العالم، باستقلالها واشتراكيتها، وظلت شامخة تتحدى العدوان الأمريكي والحصار وتبقي سيف الدولة المدنية وخيار الاستقلال والديمقراطية نهجاً مرفوعاً إلى الأبد، وظل خطابهم القوي إلى السادة الإمبرياليين "إننا لا نخاف منكم بمقدار قطرة، لأنكم نمور من ورق".
صمدت الثورة الكوبية بمواقفها وقراراتها الإنسانية وتوفيرها المكاسب الاجتماعية لجميع أبناء الشعب الكوبي دون تمييز. تلك الإجراءات هي الأساس والقاعدة والحاضنة لأي ثورة لمواجهة العدوان والحصار والمصاعب الاقتصادية والفقر والمرض ونقص المصادر ونفاد الطاقة والتدهور العام و"المجموعات الضاغطة"، وتواجه أيضاً البلاء وكارثة الفساد الذي ينهك الاقتصاد ويخطف لقمة الفقراء والمرتبات ويعمل على التآكل التدريجي للثورة وبالتقسيط المريح، يعمم في كل مفاصل الدولة، ولا تكاد حلبة الصراع تخلو من وحش منهوك  خائر القوى من التخمة حتى يأخذ مكانه وحش آخر جائع وجاهز للنهش والابتلاع.
بقيت كوبا صامدة لأنها أوجدت الحاضنة الشعبية القوية بتلك الإجراءات الاجتماعية، وجعلت الكوبيين يتمتعون بالخدمات الاجتماعية الأساسية شبه المجانية، مثل: السكن والماء والكهرباء والرعاية الصحية والنظام التعليمي المجاني ومراكز رعاية الطفولة وإزالة الفقر المدقع والحاجة.
لقد انطلقت الثورة الكوبية تجاهد وتناضل لتحقيق التقدم في مجال العلوم الطبية والتعليم وخدمات الرعاية الصحية المتاحة لكل المواطنين، مستويات لا يعادلها إلا مستويات أغنى دول العالم، باعتراف وكالات الأمم المتحدة الصحية ومنظمة رعاية الطفولة (اليونيسف).
وأصبح اقتصاد كوبا الأكثر ديناميكية وتنوعاً بين دول أمريكا اللاتينية كلها، وأكثرها نمواً بين دول العالم الثالث الاشتراكية (باستثناء الصين)، ولذلك يضرب بـ"كوبا" المثل كنموذج اقتصادي، وكمصدر للعون، وكمرشد ومصدر إلهام لبلدان كثيرة، ومنها اليمن، وأيضاً لتلك الدول التي تعاني من العدوان الأمريكي الظالم ومن الحصار الاقتصادي والأزمات المتلاحقة.
الشعب الكوبي يريد أن يحتفظ بكل تلك الامتيازات، وبالنظام الذي وفر له تلك المكاسب الاجتماعية. لقد توفرت للكوبيين الفرصة ليروا بأنفسهم كيف تعيش دول الجوار المحيطة بهم، مثل جامايكا والدومينيكان وباقي حكومات أمريكا الوسطى والجنوبية التي تخدم رأس المال الأجنبي ولا تقدم شيئاً ذا قيمة لمواطنيها، ومعظم سكان أمريكا اللاتينية لم يروا في حياتهم طبيب أسنان أو أي طبيب، لذلك تقف كوبا مختلفة ومميزة.
الكوبيون، حتى أشدهم انتقاداً للنظام، يتخوفون من الحل على طريقة اقتصاد السوق، الذي تحاول أمريكا فرضه عليهم، ويراقبون بهلع ظواهر البطالة والجوع والتشرد التي نتجت عن الأخذ بحرية السوق في أنحاء أوروبا الشرقية.
هذه كوبا الاشتراكية اليوم، والتي كانت لا تعرف إلا من خلال صلتها بأمريكا وليس بصفتها كياناً مستقلاً.
الثورة الكوبية الاشتراكية أعادت بناء كوبا مشروعاً وطنياً لا يمت بصلة لأمريكا.

أترك تعليقاً

التعليقات