قائمة شرف ثقافية
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا - 

لم تستطع الأنظمة المطبعة (البترودولار) شراء الكلمة الشريفة والمقاومة وتجريد الثقافة من طبيعتها ودورها بحيث تتخلى عن المعارضة والمقاومة وكلمة "لا"، وتتراجع سلطة الثقافة أمام سلطة المال والقمع، الثقافة لا تكون إلا انبثاقاً حراً واعياً، الوعي والحرية شرطا حيويتها واستقلالها، للثقافة سلطة شرعية لا تجدها في المساحات والمنابر التي تفردها أنظمة التطبيع لشراء الضمائر والنخب الثقافية لتلميع صورتها، شعراء وكتاب وأدباء وهيئات تحرير صحف ومجلات إماراتية يرفعون صوت الرفض مباشرة بعد الإعلان عن اتفاقية التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب، ويعلنون استقالاتهم وعدم مشاركتهم في فعاليات ومحافل ثقافية عدة احتجاجاً على الاتفاقية الغادرة والصادمة.
مواجهة بين حلف الأحرار وحلف الأشرار، وقائمة شرف ثقافية تتبلور لمواجهة مسار التطبيع وإسقاط كل الأقنعة المحملة بتقنيات الرياء والنفاق والمخادعة والمدججة بأسلحة الاستحواذ والهيمنة، مواجهة تتعدد وجوهها بتعدد شروطها وحساباتها ومصالحها وأهدافها، حيث تمضي تلك الأنظمة القمعية بعيداً في الفحشاء لتبلغ النقطة التي يستحيل على المثقف أن يقول "لا" من دون أن يرى إلى نفسه وهي تتصدع وتنشق وتنغمر بكتلة هائلة من الخوف والشك واللايقين، ويظل سيف القمع السلطوي المباشر مسلطاً فوق رؤوس الرافضين والمعارضين والعنيدين والمتشبثين بــ"لا" حتى آخر لحظة في حياتهم، أولئك الذين يمنعهم شرف الالتزام بالفكر والعقيدة من الالتحاق والمقايضة وقبول المصادرة والخضوع لأنظمة "البترودولار" بإمكانيتها الضخمة التي ساعدت في تطوير مشاريع استلحاق المثقف وشراء ضميره وإخراس صوته ضمن مخطط يهدف إلى كسر الاعتراض الثقافي وتدجينه. 
حين يغادر المثقفون مواقعهم من جبهة الصمود والتصدي والمقاومة إلى الجبهة المحكومة بالعداء للثقافة، يقاتلون بسيفها من أجل أن يأكلوا خبزها ويناموا بحضنها الدافئ وإمكانياتها الساحرة ويحموا رؤوسهم منها، شريطة أن يتخلوا عن نزقهم الثوري وإنسانيتهم وتوجهاتهم الوطنية ومشروعهم المغاير، وأن تتفتق قرائحهم عن ألوان التبرير والتسويغ وشعارات العقلانية والواقعية، حينها تتعرض جبهة المثقف للانتكاس والتراجع أمام جبهة سلطات القمع والعدوان والتطبيع وإغراءات "البترودولار"، ويتم تشكيل سلطات ثقافية رسمية تتكفل بمقارعة أحرار المثقفين واستدراج بعضهم للالتحاق بها.
إن وضع يد السلطات القمعية في المنطقة والعالم العربي على المؤسسات والمنظمات الثقافية والفعاليات الأدبية والفكرية والفنية أضاف بعداً فجائعياً إلى علاقة المثقف بالسلطات القمعية، وبات المثقف المعارض والمقاوم والحر مهدداً بالتصفية الجسدية والمعنوية على يد تلك الأنظمة، ولكن هذه المرة بغطاء من هذه المؤسسات والمنظمات الثقافية نفسها.
إن حجم الانهيار والتفكك والالتحاق بمواقع السلطات الرجعية العدوانية وظاهرة ارتداد عدد المفكرين المعارضين الذين كانوا يحظون على اختلاف تياراتهم وأحزابهم بالتقدير والاحترام من أحرار الأمة، فتحولوا إلى منظرين لسياسة الأمر الواقع والدعوة إلى الاستسلام للنظام العالمي الإمبريالي وتحالف العدوان والكف عن المقاومة والتحرير، هذا الانهيار والتراجع والخيانات التي يشهدها الفعل الثقافي في المنطقة ساعدت على استمرار العدوان والتطبيع، وتهدد بانتقال أزمة المثقف إلى مستوى أزمة المصير، مصير المثقف ومصير الأمة. سوف يمضي المثقف الثوري المقاوم في طريق كشف الخداع الذي تمارسه أنظمة التطبيع والخيانة كسلاح أخير لها. 
تحية وتقدير وإجلال لكل مثقف لم يساوم أو يستسلم ووقف موقفاً قومياً ووطنياً وانسانياً، والعار والذل لكل من تهاون وارتهن لسياسة الأنظمة الغادرة والمطبعة مع العدو، وفقد الحس بقضايا الإنسان العربي، وخصوصاً القضية المركزية فلسطين.

أترك تعليقاً

التعليقات