مأرب والانحطاط السعودي
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
ليس هناك أقوى أو أقسى من اقتراب الحسم العسكري في مأرب، الحسم الذي يصنعه رجال الرجال، قادة وأبطال الجيش واللجان الشعبية، بخبراتهم العسكرية وإمكانياتهم وعقولهم العلمية، ومعجزات يمنية ونصر إلهي.
"سقوط" مأرب هو سقوط الارتزاق والفساد والاستعمار ومصالحه الاستراتيجية، وفشل المشروع الغربي في لبنان والمنطقة عموماً، المشروع الممتد من واشنطن حيث القرار مروراً بفرنسا وبريطانيا حيث التخطيط، وغباء السعودية حيث التنفيذ، المشروع الذي لم يتمكن من الصمود في مدينة العزة والكرامة والتاريخ؛ مأرب، وأيضاً في مدينة المقاومة والصمود والحروب الأهلية والتجارب المقلقة ومقبرة الأفكار الإرهابية المتخلفة وحاضنة الأفكار الثورية التحررية الإنسانية المقاومة للظلم والعدوان؛ بيروت، التي لم يتقاعد أبطالها عن حمايتها، وها هي تلملم جراحاتها وبقاياها وترتق شرايينها، وها هو المشروع الاستعماري يطل برأسه من جديد يتحدى كرامتها وسيادتها الوطنية، وها هي الجامعة "العربية" بمبادراتها المنحازة للهيمنة والظلم والعدوان تتحرك كمبعوث لمملكة الشر وليس كمبعوث للعرب، مبعوثها هدفه إفشال صمود المناضل الشريف والقامة الوطنية الشامخة جورج قرداحي. محاولات دنيئة لم تحصد سوى الخسارة والهباء معاً.
أهل بيروت يجيدون الدفاع عن مشروعهم المقاوم حتى آخر رمق، وإفشال كل المشاريع الاستعمارية الفاقدة لتوازنها وتحالفاتها المتنافرة متعددة الأهواء والمصالح واللهجات والمصادر الثقافية والانتماءات وفلتان الفكر والمعنى ودورات الدماء المتناثرة والتهليل لمشروع خاسر فقد حتى عكاكيزه التي يستند إليها في لبنان.
المشروع الغربي الاستعماري فشل في إعادة ترتيب المنطقة حسب مصالحه، كما فشل في خلق أدوات مطيعة جديدة تؤجج الفتن الطائفية والحروب الأهلية. ولن تفيد مملكة الشر تلك الغطرسة الكذابة والعنجهية الخاوية تجاه كل من يخالفها الرأي وسياستها الاستعمارية في لبنان. هناك حزب الله، القوة الرادعة لكل ظالم متغطرس، القوة الممانعة لاسترجاع السعودية نفوذها وقوتها وهيبتها وجبروتها وهيمنتها في أهم ساحة من ساحات الصراع.
حزب الله المقاوم والصادق الأمين لحقوق الشعب اللبناني والشعوب العربية والإسلامية، بإمكانياته الصاروخية الدقيقة وخبراته القتالية وخططه المدروسة بعناية فائقة وصبره الاستراتيجي وانتصاراته الدائمة على المشروع السعودي ـ الأمريكي ـ الصهيوني، المشروع المناصر للصراع الطائفي والذي يتخلى عن الصراع مع العدو الحقيقي: "إسرائيل"، مشروع يهدف إلى استهلاك قوة لبنان وإرادته ومقاومته في صراع هامشي. مملكة الشر تعادي بالمطلق من يقاوم الاحتلال الصهيوني ويريد التحرر من المشروع الأمريكي في المنطقة، تعادي فكرة النضوج الإنساني لدى الشعوب وتطورها ورغبتها في أن تحكم نفسها بنفسها دون وصاية أو نفوذ استعماري سعودي طاغٍ.
من حق لبنان أن يحكم نفسه ويصنع قراره الحر المستقل حسب مصالحه السياسية والاقتصادية، ويفرضه على الجميع دون وصاية سعودية أو خليجية. ولكن السعودية بنزعتها التسلطية تعتبر لبنان جزءاً من مستعمراتها، كالبحرين والكيانات الكرتونية الخليجية الأخرى، فهي تريد لبنان الخاضع الذليل، المنزوع الإرادة، الذي يتحرك بإرادتها وفي المناطق الرمادية فقط لا يتجاوز المواقف السياسية والخطوط المرسومة له من قبل مملكة الشر، وأن يتنفس من خلال الرئة السعودية المتعفنة، ويتبنى الفكر الوهابي بحيث تضعف قوة المواطنة والانتماء ويبقى لبنان على تصدع دائم في أضلاع المثلث (الدولة، الوطن، المجتمع)، ويدمن عبث الولاءات المزدوجة التي أصابت روح لبنان وأفسدته وجعلته لفترة طويلة في تيه الخواء السياسي والاقتصادي، وهذا ما تخطط له السعودية وتتمناه للبنان ومأرب وعموم المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات