الخروج من دائرة الفساد
 

طاهر علوان

الزمن الذي نعيشه هو زمن الثورات، زمن الشعوب المناضلة الباحثة عن العزة والكرامة والحياة الشريفة، زمن التحولات والظواهر الكبرى، زمن الانعطافات التاريخية والتحرر من القهر والاستلاب واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان، زمن انهيار الأنظمة الظالمة الاستبدادية الأسرية الفاسدة التابعة للهيمنة الخارجية، والتي لا تفكر إلا بمصالحها الذاتية والأسرية البعيدة كل البعد عن المصالح الوطنية.
لأول مرة في تاريخنا الحديث تحولت اليمن من طرف مهمش وتابع في المعادلة السياسية، إلى شريك فاعل ومؤثر على كافة المستويات والأصعدة، تملي على الآخرين رؤية مغايرة انطلاقاً من مصلحة اليمن الاستراتيجية، ولم تكن تلك الرؤية من نسيج المعادلات السياسية السابقة، وما تميزت به تلك المراحل من اختلالات أكثرها وضوحاً انتشار الفساد وشيوعه في المجتمع، وتحوله من أحداث فردية هنا وهناك إلى ظاهرة عامة ترتبط بسياسة النظام وانحيازه وخضوعه لتلك القوى المتجبرة الفاسدة من مشائخ ورجال أعمال وسماسرة نفط وشخصيات متنفذة استغلت وجودها في السلطة، وعن طريق ابتزاز المال العام أصبحت من أثرياء هذا العصر في ظل أزمة أحزاب المعارضة، وغيابها عن الحياة الحقيقية للمجتمع، واهتماماتها بالمحاصصة، أحزاب انتهازية بُلينا بها في ظل تحالف تعسفي وكارثي، تحالف اليمين واليسار،   واهتزاز رؤى وأفكار وتصورات كانت استقرت، وها هي الآن تدخل دائرة المراجعة والسقوط بين أحضان (العدو التاريخي) الرجعي، وخارج مسارها الثوري التقدمي، وأصبحت تلك الأحزاب لا تمثل ولا تعبر عن مصالح قوى الخير والفئات الاجتماعية المغلوبة على أمرها، وأصبح مشروعها تدمير الوطن وإنسانه، والرجعية العربية هي البديل السياسي والاجتماعي، والامبريالية هي النظام الاقتصادي الإنساني المتحرر. 
من هنا يأتي مبرر ومشروعية ثورة 21 أيلول، وحتمية انتصارها على تلك القوى الهامشية، وما تمثله من خضوع للعدوان وتحالفاته، وألا تقف بلادنا مستسلمة حتى يفوز بها هذا أو ذاك من الحكام والأسر الفاسدة، واعتمدت الثورة مصالح اليمن أولاً برؤية إنسانية ودور فاعل لصالح قوى السلام ومقاومة الظلم والفساد وقطع الطريق أمام كل محاولات العدوان لنسف مكونات الجبهة الداخلية؛ الأرضية الصلبة لمقاومة العدوان، واعتماد شعبنا على قوتها وتماسكها وموقفها حيال التحديات الأمريكية- السعودية المستجدة من مبادرات استسلامية، والفتنة الداخلية، هذه العوامل الناجمة عن استمرار المقاومة والتصدي للعدوان من شأنها أيضاً تعميق مأزق العدو وتحالفاته المهترئة والهشة، وتصعيد الاختلافات إلى درجة التصادم.
انهيار العدو بات مسألة وقت، والوقت لصالحنا في ظل قيادة شعبية حكيمة، وتلاحم الجيش واللجان، وتحول هذا البلد الذي اعتبر طويلاً العضو الأشد فقراً والأضعف في الجسم العربي، إلى قوة جبارة أظهر مناعة وتحدياً ومقاومة مدهشة تقارب المعجزة في التصدي للعدوان الرجعي والتحالفات الدولية والتحديات المصيرية التي تكالبت عليه، وتميزت بالقسوة والوحشية المدمرة لمنابع الحياة والخير، ولكل ما هو إنساني، وظل هذا الشعب المؤمن بوحدته، وعدالة قضيته، وتماسك جبهته الداخلية الوطنية، مصراً على البقاء حياً نابضاً بالحيوية، رافضاً المذلة والإذلال والتخلي عن كرامته وحريته ودوره الفاعل والمؤثر، ليعود إلى موقعه التاريخي أكثر قوة وصلابة في مقاومة أعداء الإنسانية، طامحاً إلى أن يبقى ذلك اللون والصفة والبصمة المميزة له عبر المراحل القادمة.

أترك تعليقاً

التعليقات