الثورات لا تهزم
 

طاهر علوان

طاهر علوان الزريقي / لا ميديا -
الثورات فعل إنساني وظاهرة بشرية، وصناعة إنسانية، فهي من إنتاج الإنسان وحصيلة معاناته ونضاله مع ما يحيط به من الظواهر، ونتاج تفاعل مؤسساته ومنظوماته وما تفرز من تراكمات وخبرات. وفي الثورات يتم التواصل مع كل الفئات المظلومة والمعدمة والمضطهدة في العالم والتفاعل مع الحاضر والواقع الاجتماعي والتطلع إلى المستقبل الأفضل.
جوهر الثورات هو العطاء الإنساني والعدالة الاجتماعية والمساواة بين كل الفئات الاجتماعية، والقضاء على الاستغلال والفساد، الاستغلال الذي يعني حصول البعض على قليل من لقمة العيش لا يسد الرمق، مقابل حصول آخرين على أكثر مما يستحقون. وبالطبع لا يوجد هذا إلا في ظروف تنتج استغلال البعض للبعض الآخر، وهذا بالضبط الفرق الجوهري بين الثورات والنظم الإقطاعية والرأسمالية الإمبريالية.
لا بد من أن يكون للثورات مواقف صارمة وحاسمة وتقدمية من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلم والمعرفة والمنظمات الجماهرية والمؤسسات التربوية والإعلامية، ولا بد من أن يكون للثورات مشروعها الثوري وبرامجها وطرائقها التقدمية والثورية الإنسانية وأساليب توزيع الثروة والاتجاهات المحددة للرؤى والمواقف وأنماط الاتصال والتواصل، وغيرها من الأنساق والعناصر والمكونات التي تشكل في مجملها مصالح المجتمع وتخدم الحاضنة الشعبية للثورات.
بهذا المفهوم الشامل والواسع للثورات أدرك العالم أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به الثورات في حياة المجتمعات، حيث أصبحت الثورات في موقع القلب من مختلف القطاعات الاجتماعية والمجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكر والفن والإبداع، وفي مجال التنمية المجتمعية.
الثورات دائماً توجِد الحلول والبدائل الاقتصادية غير التقليدية، توجد الحلول لمشكلات اجتماعية أصبحت تحتاج إلى تصور مختلف ورؤية بعيدة المدى ونظرة بلا حدود، مستجيبة للأفكار والبرامج التقدمية والعلمية والابتعاد عن قوى التخلف والفساد. الثورات لا تُهزم، لأنها تنمية اقتصادية وإنسانية وحضارة وقاعدة جماهيرية وتقريب الفجوة في المرتبات والدخول والثروات، نتيجة ملكية الثورات –ضرورة– لوسائل الإنتاج والتخطيط المركزي. الثورات تنقل الدول المتخلفة إلى مصاف دول عظمى، وتحمي الفقراء والمستضعفين من الظلم والعوز والمذلة، وسقوط وفشل بعض الثورات هو سقوط الفئات المتسلطة.
إن تحول الثورات من المشروع الإنساني والثوري إلى التملك والتسلط، لا يعني أن القوى الفاسدة والمتخلفة والنظام الإقطاعي والاستغلال الإمبريالي والتحالفات العدوانية قد انتصرت، وإنما الثورات تمر بمراحل متعددة وتخضع لمقاييس سياسية واقتصادية وتأثيرات دول المنطقة والوضع الدولي، وتظل الثورات تسعى نحو فعل أعلى وأفضل، وتستمر في الكفاح من أجل القضاء على الاستغلال، وهي معركة طويلة جداً ونتائجها تحتمل المد والجزر، بمعنى الانتصار في مراحل والانكسار في مراحل أخرى؛ ولكن الخط التاريخي والحركة التاريخية هي في اتجاه المثل الأعلى، أي نحو مجتمع خالٍ من الاستغلال والاستبداد والتسلط.
وعلى هذا الأساس فالثورات لم تفقد مبرر وجودها، وبالتالي تظل كما كانت على جدول أعمال البشرية في المستقبل. وهذا لا يقلل من خطورة بعض الانهيارات التي قد تحدث، فالثورات هي غايات وطموحات الإنسان، لأنها تهتم بالاحتياجات الأساسية والضرورية للإنسان، لقمة عيشه وسعادته. أما إلغاء الثورات فهو مستحيل، إلا إذا ألغى الإنسان نفسه، ففي الثورات يجد الإنسان السعادة والحرية والعزة والكرامة والثقافة والعلم، وإذا لم تكن الثورات كذلك فلا مبرر لها أصلاً.

أترك تعليقاً

التعليقات